انصراف عن السياسة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 6 مايو 2025 - 6:35 م
بتوقيت القاهرة
لاحظت فى أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية أن الأخبار الرياضية تحتل صدارة المواد الإعلامية الأكثر قراءة، والأكثر تفاعلًا، ثم تأتى أخبار الاقتصاد، وبعدها تحل السياسة. بالتأكيد ما لاحظته هو مجرد «مؤشر»، لا أكثر، ولا يحمل تفسيرًا متكاملًا لصدارة الرياضة، وتراجع السياسة، وبينهما الانشغال بالحالة الاقتصادية.
يهتم الناس بالرياضة لأنها أكثر المجالات تنافسًا، والأصعب توقعًا لنتائجها، وإن كانت التنبؤات تحيط بها دائمًا. الحماس يأخذ الناس فى الملاعب وأمام شاشات التلفزيون، وهم يشاهدون على الهواء منافسة رياضية، فى الغالب كروية، يتابعونها ويلتحمون بها، ويشعر أحيانًا المشجعون فى المنازل والمقاهى والكافتيريات من فرط الانفعال أنهم يجلسون فى الملعب، ولاسيما أن نتيجة المباراة قد تتغير فى لحظات، وكم حملت اللحظات الأخيرة من المباريات تغييرات عاصفة.
السياسة لم تعد كذلك. فهى أقل تنافسية، لأن برامج ومواقف الأحزاب باتت متشابهة إلى حد التطابق، وهو ما يجعل الانتخابات العامة أقرب إلى المعارك الشخصية، أكثر منها منافسة أيديولوجية أو سياسية، والدليل على ذلك، أن انتخابات النقابات والأندية الرياضية تشهد منافسة شديدة، وارتفاعًا فى معدلات المشاركة من جانب الأعضاء، ويصعب فى أوقات كثيرة التنبؤ بنتائجها، والسبب يعود إلى أن الاختلاف بين توجهات المرشحين واضحًا. غياب هذه الحالة من التنافس جعلت الناس تنصرف عن متابعة السياسة.
من هنا إذا أردنا أن نفكر فى دفع الناس نحو المشاركة بكثافة فى الانتخابات المقبلة، شيوخ، ونواب، ومحليات، ينبغى أن نفكر من الآن فى زيادة معدلات التنافس فى الأفكار والبرامج بين أحزاب ومرشحين ينطلقون من نفس الأرضية، ويعبرون عن نفس التوجهات العامة، وذلك من خلال إيجاد مساحات تنافسية بين الأحزاب والمرشحين بإثارة قضايا السياسات العامة، والتى تدخل فى التفاصيل، أكثر من الاتجاهات الرئيسية العامة. نستمع من الأحزاب عن خطط لتطوير التعليم، سواء قبل الجامعى، والجامعى، والفنى، وكذلك أفكار مبتكرة لتطوير الصناعة، وسبل النهوض بالقطاع الزراعى الذى أصبح مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة نتيجة تصدير الحاصلات الزراعية، طرح رؤى مختلفة حول تطوير المحليات، وغيرها من القضايا التى بالتأكيد ستختلف الآراء حولها، ويكون الاختلاف مدخلًا مهمًا لاستثارة وعى الجمهور، وإقباله على السياسة بمعنى التفكير، والنقاش، والحوار، والفرز بين الشخصيات المرشحة.
فى المجتمعات التى تشهد معدلات مشاركة مرتفعة، هذه النوعية من القضايا والنقاشات تكون مستمرة، يشترك فيها الناس من خلال الإعلام واللقاءات العامة، ولا يُكتفى باستدعائهم فى المواسم الانتخابية، لأن الوعى يتشكل تراكميًا، على مراحل، عبر الزمن. هذه النقاشات غير موجودة فى المجتمع، أو على أحسن تقدير تحدث على نطاق ضيق، أو تجد أطرافها يميلون إلى الصوت المرتفع، والحديث الأيديولوجى، والقدرة العجيبة على تخطى القضايا. عندما تطرح شأنًا جاريًا، اقتصاديًا واجتماعيًا، تجد من يعود بك إلى جذور بعيدة فى تطور النظام السياسى بدعوى تأصيل القضايا وفهمها المعمق، وهو بالتأكيد غير صحيح دائما، ويجعلنا ندور فى حلقة مفرغة، ونقاشات أيديولوجية جامدة، وتفسيرات عفا عليها الزمن. بالتأكيد فإن الأحاديث الفضفاضة العامة، والنقاشات العامة التى لا تدخل فى التفاصيل الفنية، تريح من يريد أن يتجنب الخوض فى القضايا الجادة، ويكتفى بالكلام الفضفاض.
هل أدركنا الآن لماذا يصر الناس، وبعضهم من محدودى الثقافة، على إثبات ذواتهم على وسائل التواصل الاجتماعى بإطلاق آراء خاطئة وشائعات وأوهام، تجد من يعيد إنتاجها وتدويرها؟ بالتأكيد لأنهم يرون النخبة بالمعنى السياسى، لا تنشغل بسياسات عامة تفتح شهيتهم للمشاركة، وتكتفى بالكلام العام، الذى يجيده الجمهور العام، وربما يتفوقون فيه.
البداية تكون بخلق المنافسة فى الأفكار، والآراء، وتظهر بعد ذلك جودة الأشخاص فى المجال العام.