أيتها السماء صبي غضبك على الأغبياء!!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 6 يونيو 2019 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

صديق عزيز من أيام الطفولة قابلته فى الصعيد خلال إجازة عيد الفطر، طلب منى أن أقدم له نصيحة مخلصة على هذه الحكاية.

هو يقول:
رأيت صورة للفنان الكبير الراحل عبدالسلام النابلسى وتحتها تعليق مستوحى من عبارة من أحد أفلامه يقول: «أيتها السماء صبى غضبك على الأغبياء»، وأنه فكر أن يضعها على صفحته على الفيسبوك، لكنه يخشى أن يتم تأويلها من بعض أصحابه ومعارفه، وربما بعض رؤسائه فى المصلحة التى يعمل بها.

حينما سمعت هذا الطلب ضحكت بصوت عال، فاستغرب صديقى، وسألنى عن سر الضحك، فقلت له؛ لأن صديقا ثالثا أخبرنى بشىء مماثل قبل أيام قليلة. هو يحب أن يضع عبارات أو حكم أو فقرات تعجبه فى بعض الكتب أو لحوارات أو حتى الأفلام، لكنه يخشى أن يضعها على صفحته، فيساء فهمها تماما.

هذا الصديق أعذره تماما، هو سألنى أكثر من مرة: هل لو وضع هذه المقولة أو الحكمة أو حتى بيت شعر، فهل قد يفسر البعض ذلك باعتباره يمثل موقفه الشخصى، وبالتالى يتم محاسبته معنويا عليه؟!

فى الماضى عندما كان يسألنى بعض الزملاء أو الأصدقاء مثل هذا السؤال، كنت أبادر بالإجابة الفورية وهى لا، بل والسخرية أحيانا من السائل، باعتبار أن من حق أى شخص أن يضع ما يشاء على صفحته الشخصية، طالما كان فى حدود القانون. لكن بعد ذلك، اكتشفت أننى لم أعد أملك إجابات سريعة وحاسمة وآمنة، وكنت أطلب من الزملاء والأصدقاء أن يتريثوا ويفكروا كثيرا قبل وضع البوست، حتى لا يساء تفسيره.

وفى الأيام الأخيرة، كانت الإجابة أو النصيحة هى الأفضل ألا تنشروا مثل هذه المقولات أو العبارات أو حتى أبيات الشعر، على صفحاتكم لأن التأويل قد يكون مضرا لكم ولأسركم.

قد يبدو كلامى غير منطقى لكثيرين، ويرونه تزيدا أو مبالغة أو «نفخا فى الزبادى بعد أن عانى كثيرون من لسعة الشوربة»!
الكتابة الحرة الجريئة المندفعة على السوشيال ميديا صارت مضرة كثيرا، حتى من ناحية الأصدقاء والزملاء بل والأقارب.

سعة صدر الناس ضاقت وصار التأويل للأسوأ هو الأصل أحيانا، وكم من بيوت خربت، وصداقات تدمرت بسبب بوست أو فيديو، أو عبارة عابرة فى وسائل التواصل الاجتماعى.

لكن أضرار هذا الجانب تظل مقصورة فى النطاق الشخصى، والعائلى أو الضيق.

لكن المشكلة هى إساءة التفسير والتأويل على المستوى العام. وأقصد به إلى حد كبير، أن يتم تفسير وقراءة بعض التعليقات باعتبارها معارضة للدولة والسلطات العامة.

طبعا المنطق والعقل، يقول إن معارضة الحكومة أمر طبيعى، طبقا للقانون والدستور، لكن فى حالة الاستقطاب الصعبة التى نعيشها، صارت هناك أمور كثيرة بديهية، تبدو غير طبيعية!

ما الذى نحتاجه لحل هذه المعضلة، التى قد يراها كثيرون صغيرة أو تافهة؟

هى ليست كذلك بالمرة؛ لأنها تعكس مناخا من الخوف والتردد، وتخلق أجيالا محبطة وخائفة ومرتجفة، بل ومنافقة.

نحتاج أولا إلى أن يتحلى الجميع ــ حكومة ومعارضة ومجتمعا ــ بسعة الصدر، وتقبل النقد، وطالما أنه فى إطار القانون. ونحتاج إلى «تكبير الدماغ» وعدم الوقوف عند كل لفظ وعبارة، باعتبارها تحمل موقفا وإسقاطا وترميزا.

الحياة أقصر وأصعب من التعامل معها بمثل هذه الطريقة الخانقة.. نحتاج من الجميع أن يراجع ما يكتب جيدا، قبل أن يضعه على صفحته، فربما اكتشف أنه يسىء إلى شخص أو جهة من دون وجه حق، وأن يتأكد من المعلومات والبيانات التى يكتبها، لربما كانت خاطئة.

أما الأفكار والآراء فالمنطقى أن من حق الجميع أن يكتبها، طالما ظلت فى إطار الرأى.

نحتاج إلى أن نفسح ونفتح صدورنا أكثر؛ لأن الأمور لا تستحق كل هذا العناء!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved