لن أتزوج!

مي حمدي
مي حمدي

آخر تحديث: الثلاثاء 6 يونيو 2023 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

أصدر ابن أخى الأصغر فرمانا بألا أتزوج! أبلغنى هذا الأمر بحزم وحسم شديديّن مشوبيّن بالتهديد بأنه فى حالة الإنجاب سيتم التخلص من الطفل بدماء باردة عن طريق بعض الوسائل «السلمية». يؤمن الأولاد بأنى ملكيتهم الخاصة، وكيف لا وقد ولدوا وتربوا على يدى! وهم على هذا لا يعاملوننى معاملة العمة «الوقور»، «أنت أختنا.. مش عمتنا»! هكذا يقول لى الصغير دوما، وألتمس له العذر، فما من عمة وقور تسابق الأطفال على الأرجوحات، وتتشاجر معهم على بعض الألعاب! ولهذا فما أن تأتى سيرة الزواج حتى يصرخ الصغير: «متتجوزيش!»، وسط فزع أمى من هذا الأمر الذى حسمه بينه وبين نفسه، بينما تأرجحت أخته الأكبر ما بين نفس القرار، وبين رغبتها أن أتزوج لكى ترتدى فستانا جديدا وتصاحب «العروس» فى خطوات التجهيز!
• • •
لا تقلق يا صغيرى فأنا لن أتزوج! أكاد أسمع صراخ أمى وهى تقرأ هذا السطر، فهى كأى أم مصرية ترى فى زفاف ابنتها «يوم المنى». ولكن مهلا يا أمى فلتكملى القراءة لكى تدركى ما أعنيه. لن أتزوج شخصا لا أرضاه لكى لا يفوتنى القطار. لا بأس فليفوتنى بدلا من أن يدهسنى! فليفوتنى ولسوف أسبقه من اتجاه آخر.
• • •
لن أتزوج لأن «طنط» تريد أن تفرح. فلتشترى يا «طنط» بالونا أو تذهبى إلى الملاهى لعلك تجدى أسبابا وجيهة للفرح أكثر من زواجى. لن أتزوج لأن «طنط» تريد أن «تأكل فى بيتى». أنا فى بيتى يا طنط، لست فى الشارع! لن أتزوج إلا إذا قابلت من ترتاح له روحى ويلتقى معه عقلى. لن أتزوج إلا إذا وجدت من يتقى الله فىّ ويعيننى على رضاه.
والأهم أنى لن أتزوج إلا حين يريد الله.
• • •
لن أتزوج لأتخلص من سماع كلمة «عقبالك» بسرعة مائة كلمة فى الثانية. أذكر يوما قلت لقريبتى أنى سأعمل فى الأمم المتحدة لفترة، فما كان ردها إلا أن قالت «تيجى بأحلى عريس»!! كأن إنجازات الحياة كلها قد اختزلت فى أمر يعتمد على النصيب، بناتا كنا أو شبابا.
• • •
كنت أظن هذا الضغط واقعا على الإناث فقط، حتى شكا لى زميلى ذا الثمانية وعشرين عاما نفس الشكوى. كان ذلك منذ سنوات ووقتها كانت أول مرة أفاجأ بأن هذا الضغط واقع على الشباب أيضا وليس البنات فقط. وقريبا ذكر لى زميلى الذى تخطى الخمسة وثلاثين عاما دون زواج ــ وهو أمر عادى ــ أنه توقف عن الذهاب إلى التجمعات العائلية بسبب مثل هذه الضغوط «والتى علينا أن نتلقاها كلها بابتسامة عريضة»، كما قال.
• • •
فالأمر لا يتوقف عند مستوى المجاملة الرقيقة التى لا نملك سوى أن نبتسم لها وإن شعرنا أنها بمثابة «نقرزة» على ما يرونه تأخيرا، وإنما يصل إلى مستوى الماراثون أو الحرب التى تدك آذاننا فيها كلمة «عقبال» بمعدل 5000 كلمة فى الثانية. فإذا أكلنا فـ«عقبال ما نأكل فى بيتك»، وإذا شربنا فـ«عقبال شرباتك»، وإذا ارتدينا ملابس جديدة فـ«عقبال ملابس العُرس»، وإذا سعلنا فلعلنا «نسعل فى بيتك»! وإذا مرضنا فلعل «المرض القادم فى بيتك»! إلى آخره من الوخز المغلف بابتسامة البراءة الملائكية الراغبة فى سعادتك ومصلحتك. ولكن حتى إذا كانت المشاعر حقيقية وصادقة وطيبة النيّة فهى تنهمر بضغط عنيف لا تملك معه سوى أن تكره طرح الموضوع، أو أن تشعر أنهم يرونك غير كاف أو أن شيئا ينقصك فى نظرهم، ومهما فعلت من إنجازات ونجاحات، فهو أمر لا يُلتفت إليه ولا يمثل شيئا أمام «الفرحة الكبيرة»!!
• • •
ومن قال إننا يجب أن ننتظر من يهبط من السماء ليمنحنا الفرح؟ أؤمن أن لكل مرحلة سعادتها وجمالها وأعباءها ومتاعبها، حلوها ومرها، حرياتها والتزاماتها. ومن لم يتمكن من تحقيق سعادته منفردا فمن الصعب أيضا أن يحققها مع أحد. ومن كان متباكيا، شكاء، غير راض عن حاله، فسوف يظل هكذا مهما تغيرت ظروفه وتبدلت أحواله. والسعيد هو من يستمتع بما منحه الله له شاكرا إياه. فمثلا أصدقاؤنا المتزوجون «مسحولون» مرهقون مغرقون بالأعباء والالتزامات، وفى نفس الوقت يستمتعون ــ أدام الله عليهم نعمته ــ بوجود شريك روحى وبوّنس الأطفال وحبهم. ونحن غير المتزوجين نستمتع بنسمات الحرية ونجد وقتا لأنفسنا بدون ضغط الارتباط وأعباء الزواج والسهر والمذاكرة للأولاد واللهاث وراء تدريباتهم، وربما شعرنا أحيانا بالوحدة أو الخواء. هكذا هى الحياة، عليك أن تأخذ كل شىء فيها بحلوه ومره، ولكن العبقرية تكمن فى التمكن من رؤية الحلو فى كل أمر والاستمتاع بمزاياه وعدم النواح على عيوبه، بإيمان بأن تخطيط الله واختياره لنا هو عين الخير!
• • •
فلترحمنا «طنط» وليرحمنا المجتمع بناتا وشبابا، فلو شاء الله لتزوجنا فى غمضة عين، ولو وجدنا رفيق روحنا أو جاء نصيبنا لتزوجنا.
فلتتوقفوا عن السؤال والإلحاح والقصف بالأمنيات بشكل مبالغ فيه! وحتى يكتب الله لنا الزواج (أو عدمه)، نحن سعداء، حامدون، ناجحون، متحققون، كافون، مكتفون!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved