العودة إلى سوريا

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 6 يوليه 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

تحت وطأة حرارة الصيف القاسية أصبح الحصول على كوب ماء بارد مسألة مكلفة فى بعض المناطق فى سوريا خاصة فى ظل انقطاع التيار الكهربائى لفترات طويلة، وارتفاع تكاليف شراء ألواح الثلج. قس على هذا الارتفاع الفلكى فى أسعار المواد الغذائية، وقد نشرت منذ أسابيع مجلة الايكونومست تحليلا مطولا عن معاناة المواطن السورى فى تأمين الحد الأدنى من احتياجاته المعيشية.
قد لا نحتاج إلى الحديث عن أسباب تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية نتيجة حرب أهلية استمرت لنحو عقد من الزمن شهدت مأساة انسانية بكل معنى الكلمة فى ظل تفشى القتل والعنف والاستغلال الجسدى.
بعد عقد من الزمن، يراجع كثيرون مواقفهم، ويريدون العودة إلى العلاقات مع سوريا فى ظل نظام الرئيس بشار الأسد..
يشير تحليل مهم نشرته «ناشيونال انتريست» مؤخرا إلى أن الدول الأوروبية تراجع نفسها، وقد تعيد تباعا فتح سفاراتها المغلقة فى دمشق. والسبب يعود إلى اخفاق السياسات الأوروبية فى إدراك الوضع فى سوريا، رغم أن أوروبا تعطى نفسها على غير الحقيقة الحق فى الحديث نيابة عن العالم فى الشأن السورى ولكن ليس ذلك حقيقيا، ومثال على ذلك ما ذكره الرئيس الفرنسى ماكرون من أن الضربات الجوية فى سوريا عام ٢٠١٩ كانت نيابة عن العالم. ويبدو أن أوروبا أدركت عدم إمكانية تغيير النظام من خلال دعم معارضة معتدلة، ولم يعد هناك واقعيا ما يهدد النظام فى سوريا. وقد أدت هذه السياسة إلى ضعف حضور أوروبا فى الأزمة السورية، ومحدودية المعلومات الاستخباراتية التى تحصل عليها، والابتعاد عن مسرح التأثير، فى حين أن هناك قضايا مهمة عالقة ترتبط بالأزمة السورية مثل استقرار لبنان، ومواجهة الارهاب، وإعادة إعمار سوريا، وغيرها، مما يستلزم حضورا أوروبيا مباشرا.
ليست أوروبا فقط التى تراجع مواقفها. بعض دول الخليج اكتشفت خطأ سياساتها السابقة بدعم المعارضة المسلحة، وعادت إلى العلاقات مع النظام السورى فى الوقت الذى لم تتوقف فيه مصر والجزائر عن دعم الدولة السورية علنا وصراحة، وهو موقف عميق يدرك أهمية الحفاظ على الدولة أيا كان طبيعة نظام الحكم السائدة. ولم تقطع الصين وروسيا والهند علاقاتها وتواجدها فى سوريا فى أى وقت خلال الفترة الماضية.
واذا عدنا إلى الشأن الاوروبى، فإن السياسات الأوروبية تجاه سوريا ليست واحدة، بل متعددة. اليونان مثلا ارسلت منذ عام ٢٠٢٠ مبعوثا إلى سوريا، وتسعى الآن لشراء مقر لسفارتها الجديدة، وجمهورية التشيك لعبت دورا مهما فى مشروعات إعادة الاعمار، ولم تترك سوريا، وهناك لهجة مختلفة تجاه الشأن السورى صادرة من دول مثل المجر، وبولندا، وغيرهما.
ولا تفيد فقط عودة السفارات الأوروبية إلى سوريا ملايين السوريين فى ملف التنمية وإعادة الاعمار، بما تمتلكه أوروبا من قدرات بشرية ومالية، ولكن أيضا تفيد فى قضايا إقليمية ودولية تهم أوروبا فى الشرق الاوسط.
ولكن سيظل القرار الأوروبى فى هذا الصدد صعب، وتدرك الدول الأوروبية التى تفكر فى الاقدام عليه أنها سوف تواجه لبعض الوقت انتقادات من الولايات المتحدة وأطراف أخرى أبرزها النشطاء والمعارضون السوريون، وجانب من الساسة والإعلام الغربى ذاته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved