رئيس لبنان أمريكى ـ إيرانى.. ومن لاعبى «الاحتياط»؟

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الأربعاء 6 يوليه 2022 - 6:55 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع 180 مقالا للكاتب حسين أيوب بتاريخ 4 يوليو، عرض فيه أن هوية الرئيس اللبنانى القادم ستشكل طبقا لإرادة أمريكا وإيران... نعرض من المقال ما يلى.
حكومة نجيب ميقاتى مستمرة فى تصريف الأعمال حتى انتخاب رئيس لبنانى جديد. هذا أهون الشرور. ترف الفراغ الرئاسى لا يُناسب أحدا، داخليا وخارجيا، لكنه يتقدم على ما عداه. وحتى لا نستطرد كثيرا، لنذهب إلى صلب الموضوع؛ من هو رئيس جمهوريتنا المقبل؟
لطالما مثّل لبنان قاعدة مهمة للولايات المتحدة فى المنطقة. بناء سفارة أمريكية ضخمة فى عوقر بما رُصِد لها من إمكانات مادية ومساحات جغرافية ووظائف (متصلة بقاعدة حامات). نفوذ أمريكى فى النقد والمال والاقتصاد والمصارف والقضاء والإعلام و«المجتمع المدنى» والجامعات والمستشفيات والمؤسسات العسكرية والأمنية والأحزاب والشخصيات السياسية إلخ.. نفوذُ لا يضاهيه آخر.
القوة الثانية هى إيران، ليس بسفارتها الجديدة الناهضة شمال غرب المطار كقلعة محصنة، ولا بما تملك من جيوش أو قواعد بل بحزب الله، درة تاجها الإقليمى، اللاعب ما فوق المحلى الذى استطاع فى صيف العام 2006 منع إسرائيل من تحقيق أهداف حربها ــ غير أن المسألة لا تتصل برغبات الدول. الأساس هو ما يجرى من صياغات فى الإقليم ومدى انعكاس وقائعها على لبنان.. ومنها رئاسته.
• • •
أولا؛ الملف النووى: غداة فشل مسار فيينا النووى، عوّل كثيرون على محطة الدوحة. لبّى الإيرانيون دعوة قطر وفتحوا الأبواب أمام الاتحاد الأوروبى ممثلا بجوزيب بوريل. كانوا مستعدين لتقديم تنازلات وصولا إلى لقاء مباشر مع الأمريكيين مقابل رزمة حوافز بينها رفع العقوبات عن مؤسسات للحرس الثورى أبرزها «مؤسسة خاتم الأنبياء» والسماح ببيع النفط لأوروبا خارج آلية العقوبات الأمريكية وربط النظام المصرفى الإيرانى بالـ«سويفت» العالمى.
تتصرف معظم الأطراف الإقليمية على قاعدة أن الاتفاق النووى لم يعد مُتاحا. لا يعنى ذلك أبدا تقدم خيار الحرب الذى لا يتمناه أحد، لا شرقا ولا غربا. المطلوب «تنظيم الّلاتفاق»، وذلك من الآن حتى انتهاء ولاية بايدن. الخيار الذى يحاذره الأمريكيون هو استمرار «حرب الظلال» (الاغتيالات وضرب السفن والحرب السيبرانية). الخطورة أنه خيارٌ قابلٌ للتدحرج فى حال ضغط أحد الطرفين على الزناد من خارج قدرته على التحكم بردة الفعل الأخيرة.
الأمر الذى لا بد من الإقرار به أن إيران النووية، تقنية ومعرفة وخبرات، باتت جاهزة ولم يتبقَ لها سوى تحديد ساعة الصفر.. والنموذج الكورى الشمالى كفيل بتشجيع طهران على الذهاب فى هذا الاتجاه، فهل يريد الإيرانيون ذلك فعلا؟
هذا الملف الدولى يمكن «تقريشه» لبنانيا فى ثلاثة اتجاهات: جبران باسيل كان يتصرف منذ لحظة فرض العقوبات الترامبية عليه بأنه سيربح جائزة «اللوتو» الكبرى فور عودة الإدارة البايدنية إلى الاتفاق النووى. سليمان فرنجية يعتبر نفسه الممثل الشرعى الوحيد لهكذا تفاهم دولى إقليمى. ثالثهما هو قائد الجيش جوزيف عون. «فرصته» لا تتأتى إلا عبر تفاهم أمريكى إيرانى!
ثانيا؛ جو بايدن فى المنطقة: نُسج الكثير حول قمة جدة منتصف هذا الشهر. عنوانها الأبرز هو الأمن الطاقوى. زيادة إنتاج النفط الخليجى لأوروبا تعويضا للغاز الروسى. كل ما قيل حتى الآن حول إنشاء «ناتو» إقليمى يضم إسرائيل والدول العربية «لا قيمة واقعية له»، كما يُردّد مسئول عربى كبير.. لكن لا ينفى ذلك «أن لكل مشارك مواله». الإسرائيلى أولويته إيران. أمريكا تريد ضمانة النفط. العراق يحضر بشخص رئيس حكومته مصطفى الكاظمى مهجوسا بعدم استفزاز أحد فى الإقليم أو فى الداخل العراقى. صياغة كاظمية تضمن للرجل ولاية جديدة على الطريقة الميقاتية فى لبنان. الأردن ومصر تحدياتهما الاقتصادية ضاغطة أكثر من السياسة والأمن. وُزع جدول الأعمال ومسودة البيان الختامى للقمة، لكن التعديل وارد. ليس السؤال ماذا يقدم محمد بن سلمان لبايدن؟ العكس هو الصحيح. هل معادلة الحماية الأمريكية التاريخية مقابل تدفق نفط الخليج ما زالت قائمة؟ إذا تعرضت «أرامكو» لضربة جديدة كما حصل فى 2019، هل سيُوفر الأمريكيون الحماية؟
هذه المشهدية تفضى إلى أن العالم يمر بمرحلة انتقالية. منطقتنا تعطى الكثير من الأمثلة. هدنة فى اليمن وسوريا والعراق ولبنان. فلسطين منسية. إسرائيل المأزومة على موعد مع انتخابات تشريعية هى الخامسة فى ثلاث سنوات ونيف.. هل يستطيع لبنان أن «يزمط بريشه» رئاسيا؟
أمامنا احتمالات عديدة، قاسمها المشترك أن رئيس جمهورية لبنان المقبل سيُصنع فى المطبخ الأمريكى الإيرانى. لقد تعب الداخل من نظرية «المارونى القوى» (نموذج ميشال عون). أما الخارج فقد تعب أكثر من كل مرشح رئاسى لا يستوفى الشروط الإصلاحية وربما ينطبق ذلك أولا على سليمان فرنجية.
• • •
ثمة التزام أبداه رئيس مجلس النواب نبيه برى، بالدعوة إلى أول جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية فى الأسبوع الأول من سبتمبر المقبل. وظيفة الدعوة جس نبض الكتل والنواب المستقلين.. والمرشحين. إذا توافر نصاب الـ 86 نائبا، هل يفوز لبنان برئيس من أول جلسة؟
لا يبدو ذلك متاحا. لسنا أمام فراغ مديد كما حصل قبل انتخاب ميشال عون (سنتان وخمسة أشهر) ولا فراغ قصير الأمد. لا بد من فراغ يسبقه سقوط المهل الدستورية لموظفى الفئة الأولى، ويكون كفيلا بفتح الباب أمام مرشحين من فئة الجالسين دائما فى «صف الاحتياط».
تتألف حكومة فى لبنان أم لا تتألف، ليست قضية بذاتها. هى مجرد وسيلة أو أداة. إما تُحسّن أو تُضعّف ظروف مرشح أو ناخب؛ فإن انعقد النصاب السياسى الرئاسى فى موعده، تصبح ولادة حكومة ميقاتية جديدة أقرب ما تكون إلى صورة العهد الجديد (التكليف يبقى قائما بقوة الاستشارات النيابية الملزمة). أما إذا ذهبنا إلى الفراغ، فإن الحكومة مجرد وسيلة لتنظيمه فى انتظار الصافرة الرئاسية. ما هو مثالى لجبران باسيل أن يمتلك الثلث المعطل فى حكومة جديدة تلتزم مسبقا بالتعيينات الإدارية فى 29 وظيفة فئة أولى، بما يضمن له نفوذا مديدا فى مفاصل أساسية فى الدولة، لسنوات مقبلة، لكن مثل هكذا فرصة لن يُوفرها أحد له، فى آخر عهد «الجنرال»، ولو كان الثمن «لا حكومة»، وهذا هو المرجح.
ومن يُراقب نتائج انتخابات رئاسة المجلس النيابى وهيئة مكتب المجلس النيابى، يستطيع الاستنتاج أن قدرة تعطيل الاستحقاق الرئاسى متوفرة «وطنيا» بقوة امتلاك الثلث المعطل ضد كل الخيارات الرئاسية «المُعلنة»: جعجع وباسيل وفرنجية (وحتى ضد خيار التعديل الدستورى). التواضع السياسى يقضى بشطب اسم جعجع، فالرجل لن يجد قبالته ثلثا معطلا وحسب بل ما يزيد عن الثلثين. يسرى ذلك على جبران باسيل المُعاقب دوليا وعربيا ولبنانيا. لن يجد الرجل محليا أكثر من كتلته (وربما كتلة نواب حزب الله مع وضع مليون سطر تحت عبارة «ربما»)، إلا أن هذين المرشحين المارونيين بمقدورهما تكرار سيناريو 2015، بتآزرهما ضد خصمهما المشترك سليمان فرنجية. لا يحتاجان سوى إلى أقل من أصابع اليد الواحدة من إجمالى النواب السياديين التقليديين أو الجدد لكى يفيض الثلث المعطل على طول الطريق من إهدن إلى بعبدا، قاطعا الطريق على زعيم تيار المردة. أما إذا قرر باسيل مسايرة حزب الله بتبنى ترشيح فرنجية فى هذه الدورة، فهذا وحده لا يُوفّر نصاب الثلثين لمصلحة فرنجية، إلا إذا التزم النواب التغييريون بعدم استخدام سلاح التعطيل، كما يُردّدون من لحظة انتخابهم حتى يومنا هذا!
نحن نتحدث هنا عن عوامل محلية ربما تكون هذه المرة هى الأضعف فى صياغة هوية رئيس لبنان المقبل. ما ردّده جعجع مؤخرا بأن قائد الجيش جوزيف عون «هو أحد الأسماء الجديّة المطروحة إذا ما فُتح المجال الدستوري« لا يتعدى حدود الإقرار باستحالة فرصة «الحكيم». لا «كلمة سر» يملكها أى طرف محلى بما فى ذلك حزب الله. ربما يحاول السيد حسن نصرالله، هذه المرة، تأكيد «التزامه الأخلاقى» مع مرشح بعينه، ثم كفى الله المؤمنين شر القتال. يطرح ذلك سؤال الخارج مُجددا وباقى المرشحين المحتملين من خارج «الإنبوكس» السياسى التقليدى.. للبحث الرئاسى صلة.. بل صلات.
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved