التحرش بالثورة

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 6 أغسطس 2014 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

لكل ثورة متحرشون ينالون منها بسبب ما نالهم منها. يترجمون خسارتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالتحرش بالثورة، من خلال التشكيك فيها، وتقويض دعائمها الاخلاقية، ونسج الأكاذيب حولها. ليس فى ذلك جديد، ويكاد يكون سيناريو مكررا فى كل التحولات السياسية الكبرى. لو سألت سدنة نظام مبارك عن ثورة 25 يناير سوف يجيبون بأنها مؤامرة، ولو سألت مناصرى الإخوان المسلمين عن ثورة 30 يونيو سوف يقدمون نفس الإجابة، وكلاهما يخالف الدستور المعمول به، والذى يستند إلى الثورتين معا، 25 يناير و30 يونيو. لم يشأ واضعو الدستور ـ على ما يبدو ـ فتح ملف تنازع الشرعيات الثورية، وانتهوا إلى أن كليهما ثورة، وكل من له ثورة يثنى عليها ويمجدها. بالطبع أعقب كلتا الثورتين تحولات بعضها نرضى عنه، وبعضها نعترض عليه خاصة ما يتصل بملف حقوق الإنسان، والحريات العامة، والديمقراطية، لكن ذلك يظل موضوع نضال لاستكمال الدولة التى نسعى إليها، وليس سببا للنيل من الحراك الجماهيرى العارم فى المناسبتين.

المهم فى الأمر أن المؤيدين والمتشككين معا يتناسون أن خلافهم فوق السطح لا يخفى حقيقة التحولات التى تجرى فى المجتمع. ثورة 25 يناير طرحت بقوة أسئلة رئيسية فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، وفتحت المنافذ أمام المشاركة السياسية، وحطمت أساطير الاستبداد، وقوضت دعائم النظام الأبوى. بالمثل ثورة 30 يونيو طرحت أسئلة تكميلية تتعلق برفض السلطة التى تختزل الوطن فى جماعة حتى لو جاءت إلى الحكم بصندوق الانتخاب، وحاصرتها باتهامات الفشل فى تحقيق مطالب الناس التى خرجت فى 25 يناير 2011، وواجهت محاولات تفكيك الدولة ذاتها.

قل ما شئت لتفسير وربما لتقويض الثورتين، لكن الواقع يشير إلى العكس، والنتائج واضحة. وإذا خرج مبارك من قفص الاتهام، هو ومن معه، لأى سبب من الأسباب لن يترتب على ذلك رفع الإشارة إلى ثورة 25 يناير من الدستور، أو يتلاشى من الواقع ما تحقق من نتائج أيا كان حجمها، أو يستعيد مبارك بعضا من التأييد. السبب واضح، أن ما نشهده من ترهل مؤسسات، وضعف سياسات، وتراكم الأزمات، وتراجع القدرات، كل ذلك يُعزى إلى نظام مبارك الذى جثم على السلطة لأكثر من ثلاثة عقود.

غسيل الأموال أسهل بكثير من غسيل الأنظمة السياسية لأن الناس تعرف جيدا أن مبارك يُحاكم بتهم فساد وقتل متظاهرين، وليس بسبب أن كاتبا أو أكثر غير رأيه فيما يكتب عنه. الملفت أن من يدافع عنه اليوم، ويستعرض الكلمات، ويلوك أسماء ساسة وإعلاميين لا علاقة لهم بالقضية المطروحة أمام القضاء سبق وأن كتب ضد مبارك موجها اتهامات له بالفساد، والتوريث، والتزوير التى لو صحت لأوجبت معاقبة موكله عليها؟

الناس لا يعنيها تبدل المواقع، ولا يشغلها تبادل الكلام فى الفضائيات، بل ما يعنيها الفرص التى ضاعت، والأحوال التى ساءت.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved