ثلاثة تطورات مهمة على الساحة التركية

علاء الحديدي
علاء الحديدي

آخر تحديث: الثلاثاء 6 أغسطس 2019 - 12:00 ص بتوقيت القاهرة

شهدت تركيا مؤخرا ثلاثة تطورات مهمة لافتة للنظر، التطور الأول كان تقديم على باباجان ــ نائب رئيس الوزراء الأسبق ومهندس النهضة الاقتصادية التركية ــ استقالته من حزب العدالة والتنمية، وإعلانه عن عزمه تشكيل حزب جديد. وقد سبق ذلك تطور ثان وهو قيام أردوغان بإقالة محافظ البنك المركزى قبلها بيومين. وفى ذات الوقت، وعلى صعيد العلاقات الخارجية، جاء التطور الثالث فى قيام بروكسل بفرض عدد من العقوبات على تركيا نتيجة لاستمرار أنقرة فى انتهاك المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. وأتت هذه التطورات على خلفية التوتر المستمر بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا لتمسك الأخيرة بصفقة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات س٤٠٠ وبدء تنفيذها فعليا. فما أهمية هذه التطورات الثلاثة؟ ولماذا هى جديرة بالمراقبة والمتابعة؟

أولا، ترجع أهمية استقالة باباجان نظرا لأنها تأتى وسط أجواء أزمة يعيشها حزب العدالة والتنمية وأردوغان شخصيا بعد هزيمة مرشح الحزب فى انتخابات الإعادة لمنصب عمدة إسطنبول وبفارق أصوات وصل لحوالى ٧٥٠ الف صوت. وهو الأمر الذى عزز وبقوة من الأصوات المعارضة للمسار الحالى لرجب طيب أردوغان داخل الحزب واتهامه بالتخلى عن المبادئ الأصلية التى نشأ عليها حزبه. وكان من أبرز هذه الأصوات عبدالله جول، رئيس الجمهورية السابق من ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٤ ورفيق درب أردوغان. كما أن أحمد داوود أوغلو، وزير خارجية أردوغان ومنظر سياسته الخارجية قبل أن يتولى رئاسة الوزراء خلال الفترة من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٦ قد سبق وأعلن عن معارضته لسياسات أردوغان مؤخرا. ومع تصاعد المعارضة داخل الحزب بدأت تتردد شائعات قوية عن عزم هذين القطبين ومعهما عدد من الوزراء السابقين، ومن بينهم باباجان، تشكيل حزب جديد ينافس حزب العدالة والتنمية ويستعيد الأصوات التى خسرها فى الانتخابات الأخيرة.

وقد اكتسبت هذه الشائعات زخما جديدا بإعلان باباجان استقالته، وهو الذى سبق له أن كان وزيرا للدولة للشؤن الاقتصادية عام ٢٠٠٢ قبل أن يصبح وزيرا للخارجية فى ٢٠٠٧ ليتولى بعدها منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية خلال الفترة من عام ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٥. وقد نجح باباجان خلال توليه هذه المناصب فى الخروج بالاقتصاد التركى من الأزمات التى كان يعانى منها وبناء علاقات ناجحة مع الاتحاد الأوروبى، ويحظى بشعبية كبيرة فى دوائر رجال المال والأعمال، وخاصة مع من يطلق عليهم اسم «نمور الأناضول» الذين يشكلون العمود الفقرى للحزب ويعتبرون أهم مموليه. وهو بذلك يختلف عن أحمد داوود أوغلو، الذى ينظر إليه باعتباره منظرا أكاديميا فى مجال الشئون الخارجية أكثر منه رجل سياسة واقتصاد يتمتع بقاعدة مؤيدة له. ومع تفضيل عبدالله جول أن يلعب دور الشقيق الأكبر، وعدم الانخراط فى تكوين حزب جديد، فإن المجال أصبح مفتوحا أمام باباجان لرئاسة هذا الحزب الجديد. وتذهب بعض التقديرات إلى أن عددا لا يستهان به من النواب الحاليين من حزب العدالة والتنمية على استعداد للانضمام لهذا الحزب الجديد والمنتظر إعلانه مع نهاية العام الحالى، وبما قد يؤدى إلى فقدان التحالف الحالى بين حزب العدالة والتنمية وحركة القوميين الأتراك ما يتمتعان به من أغلبية داخل مجلس النواب.

ثانيا، جاءت استقالة باباجان هذه بعد يومين فقط من إقالة محافظ البنك المركزى مراد جتينقايا فى ٧ يوليو الماضى، وتعيين نائبه مراد أويسال مكانه. وذلك لسببين رئيسيين، أولهما رفض جتينقايا لتخفيض سعر الفائدة البالغ ٢٤٪ حاليا، واتهام أردوغان له بمسئوليته عن موجة التضخم والغلاء التى تضرب البلاد، وبما أدى إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وهو شخصيا فى العديد من الدوائر الانتخابية وخسارته المدن الكبيرة فى الانتخابات البلدية الأخيرة. (هذا وقد أصدر المحافظ الجديد فى ٢٥ يوليو قرارا بتخفيض سعر الفائدة ليصبح ١٩، ٧٥٪). السبب الثانى لإقالة جتينقايا كان معارضته لتشريع يتيح للحكومة استخدام احتياطات البنوك لتمويل العجز فى الميزانية والذى كان من أحد أسباب استمرار نزيف الليرة التركية وفقدانها لأكثر من نصف قيمتها خلال الفترة الأخيرة، وانكماش معدل النمو ٣٪ خلال الربع الأول من هذا العام، وتوقع استمراره مع الربع الثانى أيضا. علما بأن القانون الحالى لا يتيح استخدام احتياطات البنوك إلا فى حالات الطوارئ.

ثالثا، يزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية قرار مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى فى اجتماعهم يوم ١٥ يوليو الماضى بفرض سلسلة من العقوبات على أنقرة على خلفية قيامها بإرسال سفينة حفر ثانية للقيام بأعمال التنقيب عن الغاز الطبيعى والبترول فى المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لدولة قبرص العضو فى الاتحاد. وتشمل هذه العقوبات تعليق المفاوضات مع أنقرة حول اتفاق للنقل الجوى الشامل وغيرها من التدابير، وعدم عقد اجتماعات معها حول الشراكة وكذلك الاجتماعات رفيعة المستوى بين الجانبين فى الوقت الحالى. إلى جانب تخفيض المساعدات الأوروبية المخصصة لتركيا للعام القادم بمقدار ١٤٥، ٨ مليون يورو. كما أعلن بنك الاستثمار الأوروبى فى ذات السياق عن وقف جميع أنشطة القروض المقدمة إلى تركيا حتى نهاية العام الجارى، مع إعادة النظر فى إستراتيجية البنك تجاه تركيا خلال هذه الفترة.

هذا، وقد أعربت بروكسل كذلك عن استعدادها لتوسيع العقوبات ضد أنقرة فى حال واصلت الأخيرة «خرق حقوق قبرص السيادية»، كى تشمل العقوبات الأوروبية الجديدة فى حال اتخاذها إجراءات تقييدية بحق شركات وأفراد على صلة بأعمال التنقيب. وقد ردت تركيا على ذلك بلهجة تصعيدية واضحة على لسان وزير خارجيتها، مولود تشاووش أوغلو، الذى صرح بأن بلاده «ستزيد» من أنشطتها قبالة سواحل قبرص، متوعدا بإرسال سفينة تنقيب أخرى فى أسرع وقت ممكن. الأمر الذى ينذر بمزيد من التوتر فى العلاقات مع الشريك الاقتصادى والتجارى الأول لتركيا. يتواكب مع ذلك تصاعد الدعوات داخل أروقة الكونجرس الأمريكى لفرض عقوبات ثنائية على تركيا بسبب إصرارها على المضى قدما فى تنفيذ صفقة الصواريخ الروسية، تتراوح بين تخفيض حجم القروض البنكية الأمريكية لتركيا وبين فرض قيود على القروض المقدمة لبعض الكيانات التركية. هذه الدعوات الأمريكية مع العقوبات الأوروبية باتت تمثل مصدر قلق كبير لدى كبار المستثمرين وأصحاب رءوس الأموال فيما يخص الأوضاع داخل تركيا ويفاقم من أجواء عدم الثقة فى القيادة الحالية.

وبناء عليه، فإن انشقاق باباجان فى هذا التوقيت وفى هذه الظروف تحديدا بات يشكل مصدر تهديد كبير لا يمكن تجاهله من قبل أردوغان وحزبه. وهو الأمر الذى يعيد إلى الذاكرة انشقاق أردوغان نفسه من قبل على زعيمه نجم الدين أربكان وقيامه مع عبدالله جول بتشكيل حزب العدالة والتنمية. فهل يعيد التاريخ نفسه ويصبح انشقاق على باباجان المدعوم من قبل عبدالله جول وأحمد داوود أوغلو هو التحدى القادم لأردوغان من داخل حزبه ليضاف إلى تحدٍ آخر قادم من خارج حزبه ممثلا فى إكرام إمام أوغلو عمدة إسطنبول الجديد؟
___
لأسباب تقنية لم يتم نشر المقال كاملا فى الأسبوع الماضى لذلك تم نشره مرة أخرى اليوم

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved