الأطباء يعملون .. ولا يُكرمون

أحمد حسين
أحمد حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 6 أغسطس 2019 - 10:30 ص بتوقيت القاهرة

دراسات عديدة أُجريت للمقارنة بين إصابة الأطباء بالأمراض وباقي فئات المجتمع، في عام 2014 أكدت الجمعية الطبية البريطانية بمؤتمرها في مدينة هاروغيت أن التوتر والاكتئاب لدى الأطباء بسبب ضغوط وأعباء المهنة يجعلهم عرضة للانتحار والإدمان والطلاق بمعدل 30% أكثر من الناس العاديين، وتزيد لديهم أمراض السمنة والقلب وقرحة المعدة والسرطان نتيجة للتوتر اليومي في العمل والنوبات الليلية وساعات العمل الطويلة، وفي أبريل 2019 أكدت نفس الجمعية إصابة 27% بمشكلات نفسية من بين 4300 طبيب أجُريت عليهم الدراسة، وفي عام 2018 أعلنت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين في مؤتمرها السنوي أن أعداد حالات الانتحار بين الأطباء وصلت من 28 إلى 40 حالة من كل 100 ألف بمعدل أعلى مرتين من حالات الانتحار عند عامة الشعب.

في مصر أظهرت دراسة أجراها المجلس الأعلى للجامعات هذا العام بالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء أن عدد الأطباء القائمين بالعمل في المستشفيات الحكومية بجميع أنواعها يُقدر ب 82 ألف طبيب من أصل 213 ألف و835 طبيب مسجلين وحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة لا يشملوا أصحاب المعاشات، ما يعني نسبة 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن بينما المعدل العالمي 23 طبيب لكل 10000 مواطن، وهذا يعني أن 62% من الأطباء البشريين المصريين يعملون خارج مصر أو استقالوا أو قائمين بإجازات بدون مرتب- حسب ما ورد بنص الدراسة.

ثمة دراسة أخرى أصبحت من الضرورة إجرائها في مصر عن معدل الوفيات بين الأطباء وخاصة الشباب منهم، ما قد يُبرز أسباب أخرى لتزايد معدل نقص الأطباء.. منذ سنوات بدأت ملاحظة تزايد وفاة الأطباء   وبالتحديد في ديسمبر2013 بوفاة الطبيب أسامة راشد بمستشفى المنصورة الجامعي متأثراً بعدوى تنفسية أصابته أثناء عمله وكانت الحالة الرابعة في هذا الشهر، وعلى مدار السنوات الأخيرة أصبح المعدل في تزايد فلا يمر أسبوع إلا وتتناقل صفحات التواصل الاجتماعي تعازي الأطباء في بعضهم، في مآسي تستدعي التوقف والبحث ويغيب عن تناولها معظم وسائل الإعلام وتتجاهلها الوزارات المعنية.

 

***

في عزاء طبيبة التخدير الشابة مارجريت نبيل حنا التي وافتها المنية في غرفة عمليات مستشفى الساحل التعليمي يسألني زوجها الشاب عما إذا كانت وفاتها تعتبر إصابة عمل، في توجس لم تجيب عنه وزارة الصحة ولو في صورة تكريم لأسرتها.. في المراحل الأخيرة من تدهور المرض لم يعد يتحمل الطبيب الشاب آلام السرطان اللعين راقداً في منزله بالدقهلية تؤرق صرخاته قلوب زوجته وأطفاله، أوصت له لجنة التأمين الصحي بلاصقات مخدرة لم توجد بصيدلية التأمين الصحي لعدم توافر ميزانية لشرائها، بعد عناء أيام في البحث عنها توصلت إليها في أسوان لأتواصل مع أصدقاء الطبيب أبو اليزيد محمد فيخبروني بوفاته.. نفس حالته تكاد تتطابق مع طبيب نفس المحافظة الشاب أحمد علي الأبيض رحمه الله.

الشاب أحمد شهبه طبيب مقيم رعاية القلب بمستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي يتوفاه الله إثر حادث سيارة بعد خروجه من المستشفى عقب نوبتجية عمل طويلة، يختلف عنه طبيب الأطفال الشاب في الدقهلية محمد عبدالجليل الذي يموت غريقاً ولكن عند توجهه لنوبتجية ليليلة بمستشفى الجمالية المركزي.

معهد القلب بإمبابة شهد وفاة طبيبين شابين عمرو شلتوت وأحمد عبد الهادي إثر سكتة قلبية بعد عمل شاق متواصل.. نقابة أطباء الأسنان توجهت بالشكر مايو الماضي إلى وزير التعليم العالي لتدخله لنقل طبيبة الأسنان المصابة في حادث- بعد وفاة ابنها وزوجها محمد عوضين طبيب العظام الشاب في حادثة- إلى مستشفى عين شمس التخصصي بعد أن غالت أحد المستشفيات الاستثمارية التي استقبلتها في مصروفاتها، هذا رغم صدور قرار رئيس الوزراء الأسبق بعلاج الطوارئ 48 ساعة مجاناً بجميع المستشفيات الخاصة    وقرار وزير الصحة الأسبق بعلاج الأطباء في الدرجة الأولى بمستشفيات التأمين الصحي وأمانة المراكز الطبية المتخصصة.

بالأمس القريب توفى الشاب محمد سعد طبيب جراحة الأوعية الدموية بمستشفى سوهاج الجامعي أثناء عمله وفي نفس اليوم أعلنت الصفحة الإعلامية لجامعة سوهاج خبراً عن تكريم رئيس الجامعة لبطل من أبطال الشرطة فقد ذراعه اليمنى في حادث إرهابي بشمال سيناء.. جميل جداً أن تكرم الجامعة الأبطال من خارج أسوارها وسيكون الأجمل أن تكرم معهم الأبطال من داخل أسوارها مثل الشهيد الطبيب وفريق الأطباء الذين وفقهم الله في استخراج آلة حديدية استقرت بجمجمة طفل منذ أيام في نفس المستشفى دون ترك إعاقة للطفل.

***

تدخلت منذ شهرين لطبيب شاب انتقل له فيروس B من مريض أثناء عمله، يطلب إجازة بدون مرتب ومدير المستشفى يرفض لعجز الأطباء، ومنذ أسابيع مع مدير مستشفى أخرى يتهرب من تنفيذ قانون الطفل بإعفاء طبيبة حامل من العمل الإضافي مستنكراً في رده علي(خلاص أنا سأوافق للطبيبات والممرضات ونغلق المستشفى!).. هل عندما تُطالب الطبيبة بحقها القانوني حماية لأسرتها تكون هي السبب في غلق المستشفى، وهل عندما يُطالب الأطباء مديري المستشفيات بالالتزام بالحد الأقصى لعدد ساعات العمل يُصبحوا مُعطلين للعمل، وعندما يطلبوا العمل في تخصصاتهم احتراماً للمهنة ومصداقية مع المريض يُتهموا بإثارة المشاكل،  وفي حال مطالبتهم بالعدالة الاجتماعية في رواتبهم ورعايتهم اجتماعياً وصحياً وزيادة أو إلغاء الـ19 جنيهاً بدل العدوى المقررة لهم منذ الستينات يكونوا الفئة الأكثر ضجيجاً ويُطالبوا بإسقاط الريشة من فوق رؤوسهم!

الطبيب وبالأخص الشاب لا يلقى مقابل مادي يكفيه وأسرته من عمله الحكومي فيلجأ إلى العمل الخاص بجواره في سلسلة متصلة من الإنهاك البدني والنفسي، عندما يمرض لا يجد رعاية صحية مناسبة وعندما يموت لا تجد أسرته ما يكفيها، ومن ينجى من كلاهما لا يلقى سوى تجهم المجتمع وشكاوى مُرسلة بالجشع تُعمم على الأطباء نتيجة تجارب قد تصح وقد تخطئ، والأكثر إيلاماً تحفز المسئولين في أماكن عملهم ضدهم عند الخطأ وتجاهل تكريمهم عن الإجادة.

مئات من الحالات المُعلنة يُقابلها آلاف من الأطباء التي تعاني، تمرض وتموت في صمت وكمد، أصبحت ضرورة على الحكومة التحرك قبل أن تتزايد معاناة الملايين من المرضى بتفاقم عجز الأطباء عدداً ومقدرة، يتوجه الطبيب محمود الحسيني بمستشفى سوهاج التعليمي بنداء (أرجو الوضع في الاعتبار عدد ساعات العمل وتحديدها وتوعية الأطباء أنهم غير مجبرين للعمل زيادة عنها خاصة في المستشفيات الجامعية)،     ويضيف الطبيب محمد علي شرف أخصائي الباطنة بمرسى مطروح (رجاء التحرك ومعرفة مشاكل الأطباء داخل منظومة العمل وحلها، وإلا سنرى كل يوم طبيب متوفى من ضغط العمل في المستشفيات الحكومية وأيضاً قلة عدد الأطباء، والإدارة في المستشفى تكلف الطبيب بالعمل الزائد حتى يًصاب بالإغماء وربما الوفاة بالسكتة القلبية، حياة الأطباء في خطر من ضغط العمل أو العدوى في المستشفيات.. استغاثة).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved