كان مسئولًا عن إطلاق الصواريخ النووية

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 6 أغسطس 2020 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

مع اشتداد معارك حرب أكتوبر عام 1973 بين مصر وسوريا من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، كان بروس بلير متواجدا فى مركز سرى لإطلاق الصواريخ النووية تحت الأرض داخل أحد جبال ولاية مونتانا الواقعة فى شمال غرب الولايات المتحدة على الحدود الكندية.
لم يكن بروس بلير وحده، بل كان برفقته زميل، حيث كان كل فريق مكونا من ضابطين.
تلقى بروس بلير رسالة طارئة مشفرة للتحضير لاحتمال اندلاع حرب نووية مع الاتحاد السوفيتى. ولا تقع الحرب النووية من الجانب الأمريكى إلا بأمر من الرئيس فقط. وفور وصول الرسالة، كان على بروس بلير تشغيل مفاتيح تمهيدا لاحتمال إطلاق ما يصل إلى 50 صاروخا مسلحا نوويا يمكن لها أن تقتل ملايين البشر فى أقل من ساعة واحدة حال اتخذ الرئيس ريتشارد نيكسون قرار الإطلاق، ولا يمكن لأى شخص فى العالم أن يوقف هذا القرار بعد صدوره إلا الرئيس ذاته.
***
كشاب وكضابط صغير فى أوائل العشرينيات من العمر، وضعت المصادفة بين يدى بروس بلير مفاتيح وأكواد إطلاق صواريخ نووية، وهو ما تركه مرعوبا كلما تخيل سيناريو وصول قرار رئاسى بإطلاق صواريخ نووية، بعدما وصله أمر الاستعداد للإطلاق.
وكان بروس بلير ضمن 90 ضابطا إطلاق launch officer انتشروا فى عدة قواعد سرية تحت الأرض أو فى عدد من الغواصات التى تحمل صواريخ نووية وتجوب محيطات وبحار العالم بلا توقف.
وتحدث بروس بلير معى وقال إنه كان هناك فقط 60 ثانية تفصل بين وصول قرار من الرئيس وبين إطلاق أول صاروخ نووى فى اتجاه الاتحاد السوفيتى.
إلا أن بروس بلير قال أيضا إن ثقته الكبيرة فى فريق صنع السياسة الخارجية فى البيت الأبيض ترك لديه بعض الطمأنينة من عدم اتخاذ قرار إطلاق صواريخ نووية تدمر كوكب الأرض ولا تبقى أحدا حيا من البشر.
***
فى 24 أكتوبر 1973 وأثناء الأيام الأخيرة من معارك حرب أكتوبر، أعلنت الولايات المتحدة حالة التأهب القصوى بين قواتها المسلحة بما فيها قطاعات الأسلحة النووية.
وفُهم إعلان رفع حالة التأهب القصوى أنه تحذير لموسكو من مغبة إرسال قوات سوفيتية إلى مصر. وفى حين أن هذا التفسير صحيح، فإنه ليس سوى جزء صغير من صورة أكبر آمنت بها الاستخبارات المركزية الأمريكية ورأت أن موسكو شحنت رءوسا حربية نووية إلى مصر بعد اكتشاف إشعاعات، يبدو أنها صادرة عن سفينة شحن سوفيتية اسمها «مزدوريشنسك».
ووسط أزمة ووترجيت فى واشنطن، اتخذ الرئيس نيكسون قرارا بالاستعداد لحرب نووية، ولم يكن نيكسون مسئولا عن اتخاذ القرار بصورة فردية، بل دفعه لذلك مستشاروه بقيادة مستشار الأمن القومى هنرى كيسنجر ووزير الدفاع جيمس شليسنجر.
واعتقد كيسنجر أن الاستخبارات السوفيتية تصورت أن الرئيس نيكسون وقد أضعفته عواصف فضيحة ووترجيت لن يقو على مواجهة رغبة الاتحاد السوفيتى فى التمدد فى الشرق الأوسط مستغلا حرب أكتوبر وتعرج مساراتها.
ومع ذلك، فقد استجاب كيسينجر وفريق البيت الأبيض بوضع الجيش الأمريكى، بما فى ذلك القوات النووية الأمريكية، فى حالة التأهب القصوى، وهو ما كان يمكن أن يؤدى لحرب نووية.
***
دفعت خبرة أزمة التأهب النووى الأمريكى إبان حرب أكتوبر الضابط بالقوات الجوية الأمريكية بروس بلير إلى إعادة التفكير فى مسار حياته وعلاقة ذلك بوجود ترسانات أسلحة نووية تقدر بعشرات الآلاف من الصواريخ والقنابل التى تعد قنبلتا هيروشيما وناجازاكى بالنسبة لهما كلعب أطفال.
وهب بروس بلير حياته لمجال نزع الأسلحة النووية أو تبنى سياسات من شأنها عرقلة أى استخدام لها فى مواجهات المستقبل من خلال الضغط على القوى النووية لاعتماد سياسة عدم الاستخدام الأول للسلاح النووى.
ترك بروس بلير القوات الجوية الأمريكية رسميا من عمله كضابط مراقبة إطلاق صواريخ نووية عابرة للقارات وضابط دعم فى مركز القيادة المحمولة جوا التابع للقيادة الجوية الاستراتيجية.
وقرر بروس العودة لمقاعد الدراسة وحصل على درجة الدكتوراه فى أبحاث العمليات فى جامعة ييل فى عام 1984. ثم انضم بروس لمعهد بروكينجز كزميل متقدم فى برنامج دراسات السياسة الخارجية من عام 1987 إلى عام 2000، وقبل ذلك شغل منصب مدير مشروع تقييم التكنولوجيا العسكرية فى لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ من عام 1982 إلى عام 1985.
***
أسس بروس وأدار عددا من مراكز البحث والفكر فى واشنطن منها مركز المعلومات الدفاعية ومجموعة الأزمات النووية. فى عام 1999، حصل بلير على زمالة ماك آرثر، المعروفة باسم «منحة العباقرة» لعمله الذى يُظهر مخاطر السلاح والقيادة والسيطرة النووية بعد الحرب الباردة، والتى سلطت الضوء على دور الخطأ البشرى والتقنى. واستخدم بلير أموال منحة ماك آرثر لإنشاء معهد الأمن العالمى، الذى استخدمه كمظلة لعدد من المبادرات منها خدمات إخبارية مجانية تنشر قضايا عن الولايات المتحدة باللغات الروسية والصينية والفارسية والعربية. وتشرفت بإدارة الخدمة العربية التى عرفت باسم «تقرير واشنطن» حيث تعرفت عن قرب على بروس بلير.
***
أثناء زيارته لمدينة فيلادلفيا قبل أسبوعين، توقف قلب بروس بلير عن الحركة إثر إصابته بسكتة دماغية أنهت حياته الثرية والمثيرة فجأة وبدون مقدمات وبدون آلام.
رحم الله بروس بلير.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية ــ يكتب من واشنطن.:

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved