‏‎أن يحبك عمرو كارتة

حسام السكرى
حسام السكرى

آخر تحديث: الأحد 6 سبتمبر 2015 - 6:35 ص بتوقيت القاهرة

‏‎خلاف فى ميكروباص قاهرى بين السائق وسيدة ترتدى عباءة سوداء، سببه خطأ فى جمع الأجرة. انتظرت السيدة أن يعيد لها السائق جنيهات ثلاثة، إلا أنه آثر «الملاوعة». فما كان منها إلا أن نهرته بثقة قائلة: ابعت الأجرة يا معـ*ص. ورحمة أمى ما هخليك تقف فى الموقف تانى وهخلى عمرو كارتة يعورك فى وشك».

‏‎بهت السائق وأرسل الجنيهات الثلاثة، إلا أن السيدة واصلت هجومها بمكالمة هاتفية قصيرة: «انت فين يا عمرو، استنانى فى الموقف، عاوزاك فى حاجة كده». توتر الركاب وساد صمت قطعه السائق المهموم «هتعمليلى مشكلة يعنى؟» ضحكت السيدة فى حبور وقالت «خلاص يا عم محصلش حاجة» فعمت الفرحة الركاب الذين كادوا يتبادلون الأحضان لتتويج الصلح التاريخى.

‏‎راوى القصة هو الصحفى عبدالله كمال الذى نقلها لقرائه عبر صفحته فى فيسبوك. لم نعرف منه على وجه التحديد من هو عمرو كارتة، ولا مدى النفوذ أو السطوة اللتين يتمتع بهما. وظنى أنه أو الركاب لم يكونوا أكثر علما أو معرفة. لكن هذا لم يمنعهم ولن يمنعنا من الاحتفال معهم بالصلح. ففى حياة كل منا عمرو كارتة.

هو مرغوب ومرهوب فى الوقت ذاته. فإذا كان لك من الدلال عليه ما يسمح بأن تطلب منه أن «يعور خصمك فى وشه»، فلا شك أنه يستطيع أن يفعل الشىء نفسه معك، إذا أثرت غضبه. وبقاؤك فى الجانب الصحيح من هذه العلاقة، مرهون باستمرارك فى تحمل مقتضياتها، وهى فى الأغلب إتاوة من نوع ما.‬

‏‎فى مسرحية ‫«‬الفرافير»‬ يلخص يوسف إدريس ‫عالمنا فى مزدوجة: الأسياد والفرافير. ‬لكل سيد فرفور، ولكل فرفور سيد‫.‬ وتتعقد المسألة عندما نكتشف أن كل سيد هو أيضا فرفور لسيد آخر، فيما يمكن لكل فرفور أن يكون سيدا فى الوقت ذاته‫:‬ «إحنا 3600 مليون بنى آدم عاملين عامود بالطول كده كل واحد شايل واحد، وكل واحد عايز يوقع اللى شايله ويفضل متسمر فوق اللى تحتيه».

إلا أن العصر تغير ولم يعد الجمع بين السيادة والفرفرة مسموحا به. من الآن فصاعدا سيعيش السادة فى عالمهم، وسيكون للفرافير عالمهم، الذى تتضاءل فيه حصصهم من الثروة والرعاية الصحية والتعليم والماء والهواء النقى. إلا أن هذا لا يمنعهم من الشعور بالامتنان لعمرو كارته والتهليل له، عندما يعلنها مدوية «إحنا أسياد البلد والباقون عبيد».

تقديرا لدوره وتضحياته يضاعف عمرو كارتة من مرتباته وامتيازاته ومخصصاته، ويعفى نفسه من الضرائب والجمارك والمكوس. يصدر أوامره للفرافير بأن يلزموا جحورهم فى قرى الجنوب البعيدة، من أجل سلامتهم، ومن أجل أن تخلوا مقاعد الدراسة فى كليات ومعاهد القمة لأبنائه.

تدريجيا يشعر عمرو بأنه مستهدف. ينسحب من الفضاء العام وينزوى فى «الكومباوند» بين أبنائه ومع أقرانه من «الكارتجية». يتزايد شعوره بالقلق من مؤامرات ومكائد الخارج البعيد، فيطلب من الفرافير أن يحموه. يقف فى شرفة قلعته ويلوح بقبضته مهددا الأعداء، ثم ينهى كلمته برجاء حنون لجموع الفرافير «أحبكم. أنا هنا من أجلكم. روحى فداؤكم. احمونى لأتمكن من حمايتكم». تتنادى جحافل الفرافير. يتجمعون حول القصر. موجات وموجات من البشر تزحف فى هدوء وثقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved