قبل اللقاء الثلاثى فى موسكو.. وبعده: مشاريع تقسيم العرب سياسيا.. بالمذهبية !

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 6 سبتمبر 2016 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

يتبدى المشرق العربى، هذه اللحظة، جهاتٍ ومزقا، تصطرع فوق أرضه طوائف وأعراق وأحزاب ومنظمات دينية جاءت من دول مختلفة، أو أنها تستبطن دولا ذات أهداف متناقضة، ولكنها تتقاطع بمصالحها عند أغراض مشتركة أبرزها وأخطرها: إعادة صياغة أقطاره – بدولها أو من دونها – وفق هويات قديمة يجرى تجديدها بالنار، أو هويات مبتدعة يحاول أصحابها أن يكونوا فى صلب القرار حول مستقبل هذه البلاد.


البداية فى سوريا التى يقسمها «المحللون» و«الخبراء الإستراتيجيون» الذين تكاثروا كالفطر فى ظل الأزمة الدموية المفتوحة إلى قسمين أساسيين وبعض التفرعات أو المناطق التى عليها انتظار البت بهويتها ومصيرها:


• القسم الأول يضم ما درجوا على تسميته «سوريا المفيدة»، والتى تضم المناطق الباقية تحت سيطرة النظام، والتى تشمل العاصمة دمشق وبعض أريافها امتدادا إلى حمص، وصولا إلى مدن الساحل: اللاذقية وطرطوس وبانياس إلخ..


• القسم الثانى ويضم المناطق التى تشهد اشتباكات تقارب حافة الحرب، منذ أربع سنوات، وهى تمتد من غوطة دمشق صعودا فى اتجاه ريف حمص وبعض المدينة، وصولا إلى ريف حــلب، مرورا بمدينتــى منبج ومعرة النعمان..


• القسم الثالث ويضم محافظات باتت خارج سيطرة النظام كليا أو بمعظمها، ومنها الرقة أساسا، ثم دير الزور والقامشلى..


أما إدلب ومحيطها فقد «استقلت» عن النظام منذ ثلاث سنوات أو يزيد، وتمكنت من «الصمود» بفضل الدعم التركى والتسهيلات التى منحها، وبالمــوافقة الأمريكية، للمعارضات الإسلامية الأكثر تطرفا ودموية.. باستثناء «داعش» التى تحاول الإفادة من تناقضات «الحلفاء» وتباين المصالح فى ما بينهم..


على أن هذه «الخريطة الافتراضية» مرشحة الآن للتبدل والتغيير نتيجة التفاهم الأمريكى – الروسى من جهة، ونتيجة التبدل الجدى الذى طرأ على موقف النظام التركى من الحرب فى سوريا وعليها، وهو الذى مهد للقمة الثلاثية التى يُفترض أن تُعقد على دفعتين فى موسكو، خلال الأسبوع المقبل والتى يشارك فيها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ثم ينضم إليها الرئيس بشار الأسد.


فى أى حال فإن الخريطة الافتراضية لتقسيم الميدان السورى ترتكز ضمنا على التوزع الطوائفى داخل سوريا، وإن ظل العنوان سياسيا.


بالمقابل فإن ثمة جهات دولية وقوى محلية فى العراق تتحدث عن مستقبل أرض الرافدين مرجحة تقسيم دولتها المركزية إلى ثلاث دويلات أو ولايات فى إطار دولة اتحادية، بحيث يكون للأكثرية الشيعية «دولتهم» ولـ«السنة» دولتهم فى الغرب والشمال، والكرد دولتهم فى الشمال (كردستان العراق).


كذلك فإن ثمة كلاما عن إعادة تقسيم اليمن إلى ثلاث دويلات: واحدة فى الشمال (وهى يمن الإمام أحمد وعلى عبدالله صالح) وثانية فى الجنوب هى ما كانت تدعى بجمهورية اليمن الديمقراطية بعاصمتها عدن، مع احتمال اقتطاع حضرموت ليكون لها نوع من الإدارة الذاتية وتقام لحكمها هيئة تشارك فيها السعودية، ضمنا، لإطلاله على بحر العرب (ومن ثم المحيط) بما يغنى هذه الممــلكة (ونفطها) عن المرور الإجبارى فى الخليج العربى الذى يمكن لإيران أن تتحكم بالملاحة فيه فى حالة احتدام الصراع..


***
المشاريع التى يجرى التداول فيها حاليا ترسم خرائط محتملة جديدة لمنطقة المشرق، يلمس فيها الغرض الإسرائيلى بتقطيع أوصال ما كان يسمى المشرق العربى وتفتيته فى كيانات عدة، لا يستطيع أى كيان منها أن يعيش إلا بالاستناد إلى قوة دولية أو إقليمية ترعاه وتؤمن له شروط الحياة. والدول المؤهلة لتوفير هذا السند هى: تركيا وإيران وإسرائيل، فى ظل موافقة دولية ضمنية تشارك فيها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، مع أدوار خاصة لبعض دول أوروبا وأبرزها بريطانيا وفرنسا وألمانيا...


عنوان المرحلة المقبلة، إذا ظل أصحاب الأرض غائبين أو مغيبين يتجاوز التقسيم الذى فرض على المنطقة فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وتحت عنوان اتفاقية سايكس – بيكو مشفوعة بوعد بلفور الذى أعطى فلسطين لليهود كى يقيموا عليها دولة إسرائيل...


كان ذلك هو المطروح قبل إفشال الانقلاب على حكم أردوغان فى تركيا. ولقد تبدل موقف أنقرة، جذريا، من النظام السورى، وأساسا من العلاقة مع روسيا – بوتين فى الشهرين الماضيين، ونتيجة لهذا التبدل بات ممكنا عقد قمة فى موسكو تجمع بوتين مع أردوغان على قاعدة توافقات إستراتيجية، وأن ينضم إليها الرئيس السورى بشار الأسد على أرضية التبدل الجذرى من الحرب السورية الذى طرأ على الموقف التركى..


وبالتأكيد فإن هذا التبدل سيحبط الاندفاعة السعودية بطليعتها القطرية التى كانت تمول المعارضة السورية المسلحة وتدعمها بالسلاح الثقيل فى ظل تواطؤ تركى وتحت رعاية أمريكية.


ماذا ستفعل السعودية ؟!


إن تبديل موقفها من سوريا سيستتبع تبديلا فى موقفها من إيران التى تقاتل إلى جانب النظام السورى، كما ترعى الحوثيين وعلى عبدالله صالح وتمد قواتهما بالسلاح... وهى تفترض أن من حقها أن تعامل على أنها راعية «السنة» فى كل من اليمن وسوريا والعراق، ضمنا، إذا كانت مشاريع التسوية ستقوم وفق قواعد مذهبية، فتولج المملكة برعاية حقوق السنة فى اليمن والعراق فضلا عن سوريا، وتكون لها حصتها التى يُفترض أن تدافع عنها الإدارة الأمريكية ومعها الغرب، ولا ترفضها طهران ومعها موسكو وبكين.


واضح تماما أن إسرائيل ستكون المستفيد الأعظم من التحولات المختلفة التى يعمل على إنجازها فى المشرق...


***
إن إعادة صياغة الكيانات السياسية فى هــذه المنطــقة علــى قاعــــدة مذهبــــية (سنة x شيعة x علويون x زيود) أو عرقية (عــرب x أكراد وأقليــات أخرى) يقدم الجــائزة الذهبيـــة للكيــان الإسرائيلى القــــائم أصــلا علــى قاعــــدة دينــــية (يهودية) برغم أن الأهداف الفعلية لهذا الكيان تتقاطع مع المصالح الحيوية للدول العظمى أو الدول الإقليمية الكبرى: أمريكا مع روسيا الآن، بغير أن يهمل توزيع الحصص بريطانيا والصين وربما فرنسا، فضلا عن إيران وتركيا..


هذه تقديرات أولية.. لكن القمة الثلاثية التى ستنعقد فى موسكو فتجمع قادة روسيا وتركيا مع النظام السورى، وبمباركة أمريكية معلنة، ستكون المحطة الأولى على طريق إعادة صياغة الكيانات السياسية فى المشرق..


وربما كانت هذه القمة بداية توافقات دولية تحت الرعاية الأمريكية الروسية، ومن ثم التركية، فالإيرانية، فى وقت لاحق، للتفاهم على رسم الخريطة الجديدة للكيانات السياسية فى هذه المنطقة، وباستخدام العوامل الطائفية والمذهبية بديلا عن الهوية القومية التى كانت – حتى هذه اللحظة – تجمع الدول العربية فى المشرق العربى..


فى أى حال، وبغض النظر عن احتمال التوافق أو التعارض، فإن المستفيد الأول والأخطر من ابتداع هذه الدول، أو إعادة صياغتها على قواعد طائفية أو مذهبية، سيكون: العدو الإسرائيلى..


وواضح أن التركى والروسى حريصان على مصالح «الأمن القومــى الإسرائيلى»، تماما مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الخرائط الجديدة ستأخذ بالاعتبار هذا العامل الإستراتيجى..


وإذا صحت هذه الافتراضات، وأنجزت هذه التوافقات، فإن فلسطين ستكون الضحية الأولى، إذ ستطوى صفحة نضال الشعب الفلسطينى من أجل دولة له على أرضه، أو حتى على بعض أرضه، طالما أن الدول – الأركان لــهذا المشرق، أى سوريا والعراق، سيكونان «قيد البحث».


ومن محاسن الصدف أن هذه التطورات تتبلور، ولو جزئيا، فى هذه الأيام وعشية عيد الأضحى المبارك...


والأضاحى ستكون عربية..


... وكل عام وأنتم بخير!

رئيس تحرير جريدة «السفير»

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved