سياسة أردوغان الخارجية.. ركن أساسى لفوزه بالانتخابات

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 6 أكتوبر 2022 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مقالا للكاتبين باتو جوشكون، ويوكهان شينكارا، تناولا فيه محاولات أردوغان ربط السياسة الخارجية لبلاده ــ كعمليات التعاون مع دول الخليج وإسرائيل وسوريا ــ بالسياسة الداخلية، على أمل أن يوافق الأتراك على تلك العلاقات والعوائد الناتجة عنها لإعادة انتخابه. كما تحدثا عن موقف المعارضة التركية من توجهات أردوغان الخارجية.. نعرض من المقال ما يلى.
يبدو أن الخط الفاصل بين السياسة المحلية والخارجية فى تركيا أصبح رفيعا للغاية ويكاد يتعذر تمييزه. فربط المجالين المحلى والدولى بات ركنا أساسيا فى حملة الرئيس رجب طيب أردوغان لإعادة انتخابه. وانطلاقا من مبدأ أن تحسين السياسة الخارجية الفوضوية المعتمدة فى تركيا سيعود بفوائد مالية على الاقتصاد المتعثر، أصبحت هذه السياسة بمنزلة التوجيهات التنفيذية.
ونتيجة لذلك، قامت تركيا بعملية تطبيع حققت نجاحا ملحوظا مع خصوم الماضى الذين أصبحوا أصدقاء اليوم، أى الإمارات والسعودية وإسرائيل. غير أن المعارضة فى البلاد لا تزال تشكك بهذه العمليات. وفى حين تشير بيانات استطلاعات الرأى إلى ازدياد احتمال تغير الحكومة، لا تزال الضبابية تلف مستقبل هذه المساعى.
• • •
سعت أنقرة إلى جنى الثمار الاقتصادية للتطبيع الدبلوماسى محققة درجات متفاوتة من النجاح. فالاستثمارات الإماراتية فى تركيا تحولت إلى واقع ملموس، كما أن العلاقة الاقتصادية المتينة أساسا بين البلدين تستفيد الآن من وجود قيادة قوية على رأس الدولتين. وفى الآونة الأخيرة، اشترت الإمارات طائرات «تى بى 2» المسيرة التركية الشهيرة، فى إطار صفقة ستعمد بموجبها أنقرة إلى مد أبوظبى بالطائرات على مدى عدة سنوات.
وفى الإطار نفسه، يأمل أردوغان بأن تضخ السعودية مبالغ كبيرة من المال فى الاقتصاد وذلك على الأرجح على شكل اتفاق مقايضة عملة أو عملية استحواذ كبيرة على أصول تركية. فالمملكة، تماما كدولة الإمارات، مهتمة على ما يبدو بقطاع الدفاع التركى الناشئ.
فى الواقع، أصبح المجمع الصناعى العسكرى التركى جوهر سياسة أردوغان القائمة على التوفيق بين المجالين المحلى والدولى، مستخدما قوة الصناعة الدفاعية كأداة لتسريع وتيرة عمليات التطبيع الثنائية المتأخرة. وقد حفزت إمكانية الاستفادة من الصناعة الدفاعية التركية عواصم الخليج على إصلاح العلاقات مع أنقرة، الأمر الذى جعل العلاقات على ما هى عليه اليوم.
هذا ونجحت إسرائيل وتركيا أيضا فى ترميم العلاقات بينهما، لتبلغ ذروتها الشهر قبل الفائت بإعلان الطرفين عن اتفاقهما على تعيين سفيرين. ويبدو أن الفوائد المحلية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل غير واضحة بقدر العلاقات مع السعودية والإمارات. فالمواطنون الأتراك لا يزالون يتعاطفون جماعيا مع القضية الفلسطينية، وثمة احتمال ضئيل بأن يتم تحويل العملات الصعبة من إسرائيل إلى تركيا.
ومع ذلك، تعلق تركيا آمالها على التعاون المنتظر فى مجال الطاقة شرق البحر المتوسط، وعلى إبرام اتفاق محتمل على صعيد خطوط أنابيب غاز سيُنقل بموجبه الغاز الإسرائيلى إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا. وعلى الرغم من عدم صدور أى إعلان بعد عن تبلور هذا الاحتمال، بث الوعد بحد ذاته الحماسة فى نفس المهتمين بالشأن المالى.
كذلك، يمكن لأنقرة أن تجنى فوائد مختلفة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فبإمكان أردوغان محاولة التقرب من واشنطن من خلال تفاهمه الجديد مع إسرائيل. وكان عدم توقيع عقد تنفيذى بين أنقرة وواشنطن والبرودة التى أظهرتها إدارة بايدن تجاه أردوغان قد تركت تركيا مع عدد من الأولويات السياسية غير المحلولة. وحاليا، يبدو أن قضية تحديث أسطول طائرات «إف ــ 16» المتأخرة بسبب قيود فرضها الكونجرس هى الأهم.
ومن شأن انفراج فى العلاقات التركية الإسرائيلية أن يحسن إلى حد كبير النظرة إلى أردوغان فى واشنطن وقد يساهم فى تحقق بعض طموحاته. فخلال السنوات الماضية، عملت الجماعات المؤيدة لإسرائيل فى واشنطن العاصمة على دعم تركيا ــ ويأمل أردوغان فى التوصل إلى تفاهم مماثل الآن. ويُعتبر التذرع بعملية بيع عاجلة لمقاتلات جديدة من طراز «إف ــ 16» حجة لن يتمكن الكثيرون من معارضتها فى تركيا، ما يضمن لأردوغان نصرا يمكن بسهولة تحويله إلى أجندة محلية. علاوة على ذلك، ونظرا إلى التوترات الراهنة بين اليونان وتركيا، ستعزز مسألة المقاتلات «إف ــ 16» مكانة أردوغان بشكل ملحوظ.
• • •
تتمحور معارضة أردوغان فى تركيا حول «طاولة الستة» المتناقضة، وهى تجمع يضم سياسيين اتحدوا على الرغم من اختلاف أيديولوجياتهم للإطاحة بالرئيس الحالى. وبالتالى، من الصعب التأكد من أولويات هذه الجماعة على صعيد السياسة الخارجية، نظرا إلى تباينها المتأصل. فهى تضم فى صفوفها أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق وأحد أقرب المقربين السابقين من أردوغان، الذى يعود له الفضل فى وضع سياسة تركيا الخارجية الاستباقية، ولا سيما فى بداية الانتفاضة العربية.
وقد ربط داود أوغلو الكثير من قرارات السياسة الخارجية التى يسعى أردوغان إلى إلغائها بالأجندة التنفيذية، على غرار سياسة تركيا السابقة المناهضة للأسد وسنوات من التوترات مع الإمارات والسعودية. من جهة أخرى، يبرز «حزب الخير» القومى الذى من المتوقع أن يحقق مكاسب كبيرة فى انتخابات العام المقبل وهو عضو أساسى فى التجمع. وبقى الحزب متحفظا على قضايا السياسة الخارجية وأعرب فى المقابل عن تشكيكه بالسياسة التوسعية الروسية والصينية. ويبدو أنه يتخذ موقفا مؤيدا لـ«حلف الناتو» عموما.
هذا وانتقد كمال كيليتشدار أوغلو رئيس «حزب الشعب الجمهورى»، وهو أكبر حزب فى التحالف، بشكل حاد توجه أردوغان فى مجال السياسة الخارجية. فقد عارض علنا تطبيع تركيا مع السعودية والإمارات وتعهد بإعادة النظر فى مسألة التطبيع مع إسرائيل، علما أنه يستعد للترشح لخوض المعركة الرئاسية. ويضاف إلى تشكيك الرئيس بعمليات التطبيع الجارية، تعهد مشئوم بالعمل مع «دول المنطقة» فى إطار «منظمة تعاون شرق أوسطية». وضمن هذا النموذج، وعد كيليتشدار أوغلو بتوطيد العلاقات مع سوريا ولبنان وإيران لتحقيق نوع من التماسك الإقليمى.
وفى حين يزداد عدد علاقات تركيا مع العواصم الخليجية وإسرائيل، يتعارض هذا الحديث مع عمليات التطبيع بحد ذاتها. ففى حين يصمم أردوغان السياسة الخارجية وفق الحسابات الانتخابية، تحذو المعارضة حذوه. ويعتقد كيليتشدار أوغلو أنه قادر على إثارة الشكوك حول دول الخليج وإسرائيل، وجمعها مع الخطاب المعادى للولايات المتحدة، وبالتالى بناء سردية معارضة لسردية أردوغان.
• • •
فى الآونة الأخيرة، عمد الرئيس إلى إصلاح العلاقات مع عدو أكثر تعقيدا، نظام بشار الأسد فى سوريا. ومرة أخرى يترتب على هذه العملية حسابات انتخابية، إنما على نطاق أوسع بكثير. فأردوغان يعتبر أنه من خلال إبرام اتفاق مع الأسد، بإمكانه إطلاق عملية ترمى إلى إعادة 4 ملايين سورى وسورية يعيشون فى تركيا إلى بلادهم.
وتطالب القواعد الشعبية التقليدية الداعمة لأردوغان بأن يرحل المهاجرون، ما يجعل أردوغان وحزبه يسعيان إلى إيجاد حل بسرعة. فالضيقة الاقتصادية والاستياء الاجتماعى الناتجان عن ازدياد الحضور الواضح للمهاجرين هما الإطاران الرئيسيان اللذان يحددان مسار الخطاب الانتخابى فى تركيا. ويعتقد أردوغان أن اعتماد أساليب حديثة فى السياسة الخارجية يمكنه معالجة جميع هذه القضايا، وهذا ما يدفعه إلى المبادرة أحاديا لحل خلافات قائمة منذ فترة طويلة مع أعداء مثل الأسد.
ومع ذلك، تبين أن التعاون مع الأسد صعب، بما أنه ما من علاقات دبلوماسية رسمية بين أنقرة ودمشق. فبعدما كشف وزير الخارجية التركى عن لقائه بنظيره السورى فى بلجراد العام الفائت، صرح المسئولون الأتراك على نحو متكرر بأن احتمال التواصل على مستوى أعلى قائم لا بل من الضرورى أن يتحقق. وكان الرئيس التركى كشف بنفسه أنه أمل فى لقاء الأسد خلال قمة «منظمة شنجهاى للتعاون» فى وقت سابق من هذا الشهر الماضى. وعلى الأرجح يظن أردوغان أنه قادر على التوصل إلى اتفاق ما إن يتواصل الرئيسان معا بشكل مباشر.
لم يتأكد هذا الواقع المتغير إلا من خلال اجتماعات تم كشف النقاب عنها أخيرا بين رئيس الاستخبارات التركية ونظيره السورى فى موسكو، حيث يتردد أنهما تبادلا قائمة مطالب أولية. وبالفعل، يبدو أن روسيا تلعب دور الوسيط فى العملية، فتجمع بين أنقرة ودمشق بما أن المصالحة بينهما تخدم مصالح الكرملين.
• • •
وبما أن السياسة المحلية والدولية تتداخلان أكثر فأكثر فى تركيا، يزداد الشك فى نجاح مساعيها الجديدة على صعيد السياسة الخارجية. وعلى الرغم من هذه المخاطر، يشير استطلاع رأى أُجرى فى الآونة الأخيرة إلى أن مساعى أردوغان الدبلوماسية لم تترك أثرا يذكر على التوقعات الانتخابية. فالناخبون الأتراك إما غير مهتمين بهذه العملية أو غير مقتنعين بنتائجها، بما أن إعادة تأهيل الاقتصاد لم تتبلور بعد. ونظرا إلى هذه الوقائع، سيلعب أردوغان الآن ورقته الأخيرة مع الأسد، بما أنه من المتوقع أن يحدث الوعد بإعادة المهاجرين تغييرات مهمة فى استطلاعات الرأى إن تم التوصل إلى اتفاق قبل فصل الصيف. وبغض النظر عما إذا كانت استراتيجية أردوغان ستؤمن له الفوز فى الانتخابات مجددا، يبدو أن تسييس السياسة الخارجية لعبة خطيرة تنطوى على عدد لا يحصى من الاحتمالات الضبابية.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved