رسائل النظام

بسمة عبد العزيز
بسمة عبد العزيز

آخر تحديث: الأحد 6 نوفمبر 2011 - 11:40 ص بتوقيت القاهرة

ما لا يوضع فى الخطب والبيانات يمكن استنتاجه من خلال الأفعال، يقوم النظام الحاكم بتمرير رسائله إلينا بين الحين والحين، يختلف الغرض من رسالة لأخرى، إلا أن المحصلة النهائية التى تترسب فى وعينا هى محصلة متجانسة، تسهم فى رسم الشكل العام للسلطة، وصلاحياتها، وطبيعة العلاقة بيننا وبينها فى الفترة القادمة.

 

هناك رسالة أولى تم تمريرها فى وقت شديد التبكير، وهى أن ليس كل ما يطلبه الشعب سوف يتم تنفيذه، وأن مطالب الثورة الأساسية لن يتحقق منها إلا ما يرضى النظام الجديد عنه. ظهرت تلك الرسالة بوضوح ردا على مطلب تسليم الحكم إلى مجلس رئاسى مدنى، وهو مطلب تم تجاهله تماما حتى اليوم رغم ما حظى به من ضغوط مارستها الأطراف كلها. مطالب عدة صادفت إجماعا لكنها علقت فى فضاء السلطة دون أى استجابة. رسالة التجاهل تلك دائما ما تهدف إلى بث اليأس والشعور بالعجز والإحباط فى كل من لا يزال يمتلك شيئا من الإصرار، ومن لا يزال متشبثا بتحقيق بعض المكاسب الموضوعية للثورة، يصنع التجاهل جدارا عازلا بين الناس وذواتهم ويفقدهم الثقة فى قدرتهم على الفعل.

 

رسالة ثانية مفادها أن القمع مستمر، وأن مصير الرافضين والمعارضين قولا وفعلا هو التنكيل ليس إلا، وتلك هى رسالة أكثر وضوحا يُعاد بثها فى صور متنوعة وبدرجات مختلفة، إحداها على سبيل المثال المحاولات الدؤوبة لتشويه صورة منظمات المجتمع المدنى واتهامها بالعمالة للخارج وبعدم الوطنية، وهى محاولات متواصلة منذ سنوات طويلة تتصاعد أو تتراجع تبعا للمواقف والظروف. مثال آخر تبرز من خلاله رسالة القمع، وهو استمرار إحالة المدنيين وخاصة النشطاء إلى محاكمات عسكرية تفتقد الضمانات اللازمة لحمايتهم ولتحقيق العدالة، وقد طالت تلك المحاكمات ــ على عكس التطمينات جميعها ــ ما يزيد على الاثنى عشر ألف مواطن. كذلك ظهرت من جديد آليات القمع التى اختفت منذ زمن، فشهدنا محاولة لوصم أحد المعارضين بضعف العقل والإدراك وإحالته لتقييم قواه العقلية فى مستشفى للصحة النفسية، وهى محاولة تعيد إلى الأذهان تاريخا قاتما سطرته النظم السابقة التى ألقت بمعارضيها سنوات طويلة داخل المصحات. جرائم العنف والتعذيب المتتابعة التى تقع سواء فى الأقسام أو السجون تمثل أقوى رسالات القمع، هناك عدد من الحالات المفزعة التى يتم التحقيق فيها آخرها حالة الشاب الذى حُوكم عسكريا، وسُجِن، ولقى حتفه فى سجن طرة، والذى تحيط بوفاته شبهات كثيرة خاصة أنه قد تم التلويح منذ اللحظات الأولى بأن سبب وفاته هو ابتلاعه لفافة مخدرات، وهى إشارة واضحة لأن تلك اللفافة ربما تصبح من الآن فصاعدا سببا عاديا من أسباب وفاة المواطنين بعد أن تم استخدامها فى قضية ضحية الاسكندرية الشهير خالد سعيد. تكرار السيناريو هنا يمثل بدوره رسالة فحواها أن الجناة لا يخشون العقاب، وأنهم أكبر منه، وأن شيئا لن يوقفهم، على الجانب الآخر يطالعنا الجزاء اليسير الذى ناله الجناة فى قضية خالد سعيد مؤكدا على الرسالة.

 

العنف الفاحش الذى تم استخدامه مع متظاهرى ماسبيرو وفجاجة القتل رسالة أخرى تنبه إلى أنه لا حدود ولا خطوط حمراء ولا أعراف وأخلاقيات وتقاليد قد تقف السلطة أمامها. الهدف المباشر من الرسالة العامة: «القمع مستمر» هو التخويف وكسر الإرادة، هدف تكشفه وتؤكد عليه أغلب المرجعيات التاريخية القادمة من دول استخدمت أساليب وطرق القمع لعقود طويلة، وأهمها دول أمريكا اللاتينية.

 

لا ننسى أيضا رسالة الأب أو الأخ الكبير الذى لا يخطئ وإن أخطأ فإنه لا يعتذر، بل يكون على الأبناء انتحال الأعذار وتقديمها نيابة عنه، وهى رسالة يعاد توجيهها مرة بعد المرة فأخطاء النظام الحاكم تتوالى دون أى اعتذار أو حتى توضيح، ويكون على الأبناء المخلصين الدفع بكل المبررات الممكنة.

 

●●●

 

تنهمر رسائل النظام الحاكم علينا، يرسلها عبر شبكات الإعلام وعبر خلق نماذج صريحة على أرض الواقع، تصبح بمثابة عبرة وعظة للجميع، ولشديد الأسف يعيد النظام إرسال رسائله القديمة نفسها، ولهذه الإعادة فى حد ذاتها تأثير كبير، فالناس تدرك أن شيئا لم يتغير وأن التغيير عصىّ، وأن قيام ثورة لم يحل دون استمرار الوسائل والأساليب التقليدية المتوارثة، التى يبدو أنها تُسَلَّم كعهدة لا ينبغى تغييرها أو التفريط فيها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved