سيادة الوطن وسيادة الغريب

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 6 نوفمبر 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

قبل أن يتبوأ الرئيس عبدالفتاح السيسى مقعده من الرئاسة قال قولته الشهيرة إن مصر «هاتبقى قد الدنيا» فصارت عبارة يتغنى بها مؤيدوه وهم كثيرون ويتندر عليها معارضوه وهم قليلون. ولكن هناك مشروع قانون فى طريقه إلى قصر الرئاسة تمهيدا لإصداره يجعل من مصر دولة «على قد حالها» تتهاون فى حقوقها وحقوق مواطنيها إذا ما اعتدى عليها مواطن من دولة نخشى بأسها فيصبح للرئيس سلطة تسليم هذا الأجنبى إلى بلده قبل محاكمته أو بعد محاكمته وإدانته دون أن يرتبط ذلك بوجود اتفاقية لمبادلة المجرمين تضمن للمصريين المعاملة بالمثل.

فالدولة التى تحترم سيادتها ترفع دائما شعار «المعاملة بالمثل» مع باقى الدول فى كل الأحوال. أما الدول التى تحترم «سيادة الغريب» فتعطيه من المزايا ما يهدر «سيادتها» وسيادة قضائها ودستورها تجنبا لغضب «الأقوياء فى العالم».

يقول مشروع قانون تسليم المتهمين الأجانب «يجوز لرئيس الجمهورية بناء على عرض النائب العام وبعد موافقة مجلس الوزراء على تسليم المتهمين ونقل المحكوم عليهم إلى دولهم، وذلك لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة المقضى بها بحسب الأحوال، متى اقتضت مصلحة الدولة العليا ذلك»، وهو ما يعنى منح السلطة التنفيذية حق التغول على السلطة القضائية والتدخل فى سير التحقيقات، ويجعل المتهم المصرى يكره جنسيته عندما يجد زميله الأجنبى فى القضية وفى قفص الاتهام حرا طليقا دون محاكمة ولا تحقيق بينما يظل هو «لأنه مصرى» فى القفص. كما أن هذا القانون يعيد مصر إلى عصر «القوانين التفصيل» التى يتم وضعها للتعامل مع قضايا معينة ولإغلاق ملفات اسماء معينة لأن هذا القانون يصدر فى الوقت الذى تبحث فيه السلطة عن وسيلة لغلق ملف «خلية الماريوت» وربما قضية «التمويل الأجنبى».

والحقيقة أن الحديث عن تسليم الدولة المتهمين والمجرمين الأجانب الذين ارتكبوا جرائم على أرضها وضد مواطنيها ومصالحها يكاد يكون غير موجود فى القواعد القانونية الراسخة لمبدأ «التسليم أو Extradition» لأنه لا يعقل أن تتنازل دولة عن حقها فى مقاضاة ومعاقبة من أجرم فى حقها وتسليمه إلى دولته التى ربما لا ترى مبررا لمعاقبته لأنه لم يلحق بها ولا بمواطنيها أى ضرر. أما الحديث عن «التسليم» فى كتب القانون والمعاهدات الدولية فيقصد به أساسا تسليم الأجنبى الذى يواجه اتهامات أو ارتكب جرائم فى بلده للسلطات القضائية فى دولته لكى تحاكمه وتعاقبه.

نحن إذن أمام مشروع قانون يخصم من سيادة مصر لصالح سيادة «الدول القوية» التى ستضمن لمواطنيها حتى لو أجرموا فى حق مصر معاملة لن يحصل على مثلها المصرى فى تلك الدول لأن «سيادة الرئيس» رأى فى ذلك مصلحة عليا للبلاد.

ورغم كل ذلك فالقانون سيصدر لينضم إلى قائمة القوانين سيئة الذكر التى أصدرتها الرئاسة بدءا من قانون التظاهر وليس انتهاء بقانون حماية القوات المسلحة للمنشآت العامة، لأن الرئاسة عودتنا على أن غياب السلطة التشريعية بالنسبة لها «كنز لا يفنى».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved