دراسة حول الفاشيـة

أهداف سويف
أهداف سويف

آخر تحديث: الخميس 6 نوفمبر 2014 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

أرى أحيانا صورا من المستقبل ــ فى الحقيقة أعتقد أنى أفكر بالصور أكثر من الكلمات: مشاهد تومض للحظة على شاشة الذهن، غالبيتها يكون من الماضى، سواء ماضيا وقع فى الحقيقة أو فى الحلم، بعضها يكون مُتَخَيَّلا، مشهد خُلِق فى لحظة ثم اختفى، وأحيانا قليلة تكون الصورة من المستقبل. تكون الصورة محددة جدا، لقطة واحدة، كأنها إعلان لفيلم مثلا. لا أستطيع توظيف هذه الصور فى مقال أو حتى مناقشة لأنى أخاف لو وصفتها أكون قد قربتها من التحقق. فهى دائما بائسة.

تذكرت هذا ــ وإحدى صور المستقبل المتكررة عندى ــ بمناسبة سطرين فى قصيدة مصطفى إبراهيم الجديدة:

الهوا

هيحَصّل المَيّة اللى بقت ماركات.

فعُدْت لأفكر فى قصيدة «صلاة خوف» لمحمود عزت، وأسئلتها المفتوحة:

فيه ظلم..

آخره الجناين؟

فيه عدل..

بابه الظلم؟

ووجدتنى أبحث فى توصيف بعض الكتاب والمفكرين والساسة لما كان يحدث فى بلادهم فى حقبة معينة. فها هى جولة سريعة من القرن الماضى:

الولايات المتحدة

«الفاشى الأمريكى يفضل ألا يستعمل العنف، فأسلوبه هو تسميم قنوات الأخبار والمعلومات التى تصل إلى الناس.

الفاشى لا يبحث أبدا عن الطريقة المُثلَى لتقديم الحقيقة للجمهور، لكنه يبحث عن كيف يستغل الأخبار والمعلومات ليضغط على الجمهور ويسوقه للتبرع بالمال أو التفويض فى السلطة».

هنرى والاس، نائب رئيس الولايات المتحدة ١٩٤١ــ١٩٤٥، ومرشح الحزب التقدمى لانتخابات الرئاسة فى ١٩٤٨

إيطاليا

«الاسم الأفضل للفاشية هو الـ«كوربوراتيزم«، فما هى إلا تزاوج الدولة وقوة الشركات والمصالح».

بنيتو موسولينى

الولايات المتحدة

«أنا بطبعى متشائم، وقد شعرت دائما أن الحكومات تتجه بشكل طبيعى إلى الفاشية. فالديمقراطية نعمة، وهى شىء رائع أساسا لأنها ليست تلقائية أو روتينية. خبرة الفاشية ترجع إلى طفولتنا، حيث كنا دائما نتلقى الأوامر والنصح حول كيف نعيش حياتنا. افعل هذا، ولا تفعل ذاك. فالسر فى الفاشية هى أنها تستهوى الناس الذين لم يصلوا إلى نمط حياة مُرضٍ لهم».

نورمان ميلر، كاتب

أوروبا

«وإن سُمِّى القناع بالـ«فاشية» أو الـ«ديمقراطية» أو «ديكتاتورية البروليتاريا»، يظل عدونا الأكبر هو الجهاز: البيروقراطية، الشرطة، الجيوش. ليس ذلك الجهاز الذى يواجهنا عبر خطوط القتال.. لكن ذلك الذى يصف نفسه بأنه يحمينا ــ وهو يحولنا إلى عبيد. وفى كل الظروف، فالخيانة الكبرى هى أن نُخضِع أنفسنا لهذا الجهاز، وندوس بأحذيتنا ــ ونحن نسارع لخدمته ــ القيم الإنسانية فى أنفسنا وفى الآخرين».

سيمون فايل، مفكرة وأكاديمية وناشطة سياسية وفاعلة خير

ألمانيا

وفى أثناء صعود الحزب النازى فى ألمانيا فى ثلاثينيات القرن الماضى، كتب أحد الثوريين الأوربيين حول الظروف التى تساهم فى تنامى الفكر الفاشى فقال: «التنامى الكبير للنازية هو تعبير عن عاملين: أزمة اجتماعية عميقة تُفقِد جماهير الطبقة البورجوازية الصغيرة توازنها، والافتقار إلى حزب ثورى يعترف به جماهير الشعب كقيادة ثورية. وإن كانت أحزاب اليسار هى أحزاب الأمل الثورى، فالفاشية، كحركة جماهيرية، هى حركة اليأس المضاد للثورة».

•••

وقد قاد الباحث، الدكتور لورنس بريت، دراسة حول أنظمة هتلر، وموسولينى، وفرانكو، وسوهارتو وبينوشية، خلص منها إلى تحديد ١٤ سمة تميز النظام الفاشى. وقام فريق من الباحثين/ الناشطين بعدها ببحث هذه السمات فى نظام جورج بوش الابن فى الولايات المتحدة فوجدوه متطابقا مع النظم الفاشية، ومن هنا أصبحت هذه السمات الأربعة عشر معترف بها كمعيار علمى لقياس الفاشية فى النظام أو المجتمع. وهذه السمات أترجمها هنا:

١ــ الاستعمال المستمر والقوى للشعارات والرموز والأغانى الوطنية. كثرة ظهور الأعلام على الملابس وفى الاستعراضات.

٢ــ احتقار الأفكار التى تدور حول حقوق الإنسان: بسبب الخوف من الأعداء والاحتياج إلى الأمن، يصور للناس أن حقوق الإنسان يمكن وضعها جانبا لفترة. يتجاهل الناس انتهاكات الحقوق وقد يؤيدون التعذيب والإعدام والاغتيالات والحبس المطول.

٣ــ تحديد «عدو» يوحد الصف: يُحشَد الناس إلى حالة حماسية وطنية موحدة حول ضرورة إقصاء أو التخلص من عدو أو تهديد مشترك. قد يتم تحديد أقلية دينية أو عرقية لتفى بدور هذا العدو، أو يتم تحديد «الشيوعيين»، أو «الاشتراكيين» أو «الإرهابيين» أو غيرهم.

٤ــ الإعلاء من شأن القوات المسلحة: فحتى فى البلاد التى تعانى من مشاكل اقتصادية، نجد أن القوات المسلحة تفوز بنصيب كبير من ميزانية الدولة، ويكون هناك جهد دائم لإحاطة القوات والنشاط العسكرى بمظاهر البهاء.

٥ــ الشوفينية الذكورية تشتد فى النظم الفاشية، ويظهر العداء السافر والعنيف للمثليين ولكل من لا يندرج تحت أنماط الجندر المتفق عليها، ويكثر الشتم بالـ«شذوذ».

٦ــ التحكم شبه التام فى الإعلام، إما بتحكم الحكومة المباشر، أو بفرض القوانين، أو عن طريق أصحاب القنوات ورجال الإعلام الموالين، أو بتطوع الإعلام بفرض الرقابة على نفسه.

٧ــ التركيز بشدة على الأمن الوطنى واستعمال الخوف من العدو لحشد الجماهير.

٨ــ تتجه الحكومات فى النظم الفاشية إلى استعمال دين الأغلبية كأداة لتحريك الرأى العام، وتكثر القيادات من استعمال الخطاب والمصطلحات الدينية ــ حتى وإن جاءت سياساتهم بعكس ما يوصى به الدين.

٩ــ تعنى الحكومة بحماية مصالح وسطوة الشركات وأصحاب الأعمال الكبرى، فتتكون نخبة متحدة المصالح من الحكام وأصحاب الأموال والاحتكارات.

١٠ــ قمع القوة العمالية، فهذه القوة هى الوحيدة التى تستطيع فعلا تهديد الحكومة الفاشية، ولذا تحاول الحكومة القضاء على التنظيمات العمالية، أو تحجيمها.

١١ــ احتقار الفكر والفنون: كثيرا ما تبدى الحكومات الفاشية العداء للمؤسسات التعليمية العليا كالجامعات ومراكز البحوث، ولا تتحرج من فصل الأكاديميين أو حتى احتجازهم، وتعادى بالأخص النشاط الطلابى الحر. تعادى أيضا الأنشطة الثقافية التى لا تنتظم تحت جناحها وكثيرا ما ترفض الدولة تمويل النشاط الثقافى.

١٢ــ تركز الحكومة إلى حد الهوس على الجريمة والعقاب، فتعطى النظم الفاشية المؤسسات الأمنية والشرطة سلطات غير محدودة فى تطبيق القانون، بل وتجد الحكومة والناس على استعداد لغض الطرف عن تجاوزات وانتهاكات رجال الشرطة والتنازل عن حقوقهم المدنية باسم الدافع الوطنى وحب البلاد.

١٣ــ انتشار الفساد والشللية، فالحكومات الفاشية تتشكل فى الأغلب من مجموعات من الأصحاب والمعارف يعينون بعض فى الوظائف ويحمون بعض من أى رقابة أو مساءلة. ولا يستغرب فى النظم الفاشية أن تستغل التنظيمات والأفراد موارد البلاد وثرواتها أو حتى تستولى عليها.

١٤ــ الانتخابات غير النزيهة، إما عن طريق التزوير المباشر، أو إدارة حملات التشهير ضد المنافسين السياسيين، أو حتى اغتيالهم، أيضا عن طريق التحكم فى آليات الانتخابات أو إعادة رسم الدوائر أو وضع القوانين التى تسهل الوصول إلى نتيجة معينة. والدول الفاشية معروفة أيضا باستخدامها للمؤسسة القضائية للتحكم فى الانتخابات.

أربعة عشر نقطة، وكل إنسان له أن يتفكر كم منها موجودة بالفعل فى مجتمعه، وكم منها فى الطريق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved