أريد الفوز بجائزة نوبل

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 6 نوفمبر 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

فى سنة 2008 نشر بيتر دوهيرتى (Peter Doherty) كتابا بعنوان «دليل المبتدئين للحصول على جائزة نوبل»، قبل أن تبدأ فى السخرية من عنوان الكتاب وتقول «مكنش حد غلب» يجب أن تعلم أن المؤلف حاصل على جائزة نوبل فى الطب سنة 1996 أى إنه ليس بحاجة لنشر كتب عن التنمية البشرية ليحصل على الشهرة، هذا الكتاب يحكى فيه الكاتب قصته مع البحث العلمى منذ أن كان تلميذا فى أستراليا وحتى حصوله على الجائزة وكم الصعوبات التى واجهته والتضحيات التى بذلها كى يصل لتحقيق حلمه، لكن حلمه لم يكن الحصول على جائزة نوبل لكن الإنجاز العلمى والعملية البحثية نفسها، وهذا موضوع مقالنا اليوم: هل يجب على الباحثين وضع جائزة نوبل أمام أعينهم عند بداية طريقهم فى البحث العلمى؟ نحن نتكلم عن التخصصات العلمية فلنطرح جانبا العلوم الإنسانية وجوائز مثل نوبل للسلام والآداب.
الإجابة الجاهزة هى: طبعا لأن الطموح مطلوب وتلك الجائزة تضاف إلى قوة البلد الناعمة، فلما لا؟ فى هذا المقال أحاول السير عكس هذا الطريق وأقول إن وضع شىء مثل جائزة نوبل أو ما يشابهها فى التخصصات التى لا تغطيها لجنة نوبل هو شىء خطير جدا لعدة أسباب.
أولا قد يجعلك ذلك تأخذ طريقا مختلفا عن قدراتك لأنك قد تختار العمل فى مشكلة بحثية لا تناسب طبيعتك، لا أقصد أن أقدح فى ذكائك أو علمك لكن كل مشكلة علمية تحتاج فى حلها طريقة معينة فى التفكير وقدرات معينة بالإضافة إلى العلم والذكاء، لكل باحث مجموعة من القدرات المختلفة عن الآخرين، فقد نجد اثنين من الباحثين يمتلكان نفس العلم والقدرات الذهنية (مع صعوبة قياس هاتين) لكن عندما يواجهان مشكلة بحثية معينة نجد أحدهما حلها بسهولة والآخر وقف عاجزا، لذلك فى المشروعات العلمية الكبيرة والمعقدة أحد أهم عوامل النجاح هو بناء فريق به مزيج من القدرات التى تتكامل لحل المشكلات البحثية فى هذا المشروع. لذلك فى سبيل الوصول إلى جائزة نوبل قد تختار مشكلة بحثية تظن أنها تؤهلك للوصول للجائزة (وقد يكون تصورا خاطئا) لكن هذه المشكلة غير متجانسة مع قدراتك.
ثانيا: قد يصيبك بالإحباط إذا لم تحل المشكلة أو حللتها لكن فاز بالجائزة شخص آخر، إذا اخترت مشكلة غير متلائمة مع قدراتك فقد تستنفذ جهدا ووقتا يصل إلى سنوات ولن تتمكن من حلها وهذا شعور سيئ لأنك ليس فقط ستحس بالفشل لكن ستشعر أن عمرك ضاع هباءً، أو قد تختار مشكلة علمية متوائمة مع قدراتك وتحلها ثم لا تفوز بالجائزة لاعتبارات كثيرة، هنا شعورك بالإحباط ينبع من أن هدفك هو الجائزة وقد فشلت فى الحصول عليها وليس هدفك هو حل المشكلة.
ثالثا: قد يدفعك ذلك لبعض الأفعال التى قد لا تقدم عليها فى مواقف أخرى، لا يجب أن ننكر أن الحصول على الجوائز والتقديرات فى عصرنا هذا يستلزم شبكة علاقات وتتدخل فيها السياسة والمصالح، الكثير من العلماء يستحقون جائزة نوبل لكن القليل منهم فقط يحصل عليها فلماذا؟ إنجازات من فازوا بنوبل كبيرة ومؤثرة بلا شك، لكن هناك إنجازات تشابهها ولم تفز، العدد الأقصى لجوائز نوبل فى كل تخصص فى العام هو ثلاثة، فمن يحدد هؤلاء الثلاثة؟ مثلا فاز جيرار ارتل بجائزة نوبل فى الكيمياء سنة 2007 لأبحاثه فى التأثيرات التحفيزية للأسطح المعدنية فى حين أن جابور سوموجاى وهو من رواد هذا الفرع لم يحصل عليها وجميع من يعملون فى هذا الفرع أبدوا دهشتهم الشديدة من عدم مشاركته جيرار فى الجائزة، حتى أن جيرار نفسه اندهش من عدم فوز جابور، الأمثلة عديدة ومن مختلف التخصصات.
قد تقول إن الكلام هنا كلام نظرى ولا ينفع فى عصرنا القائم على الشهرة والمال والمصالح وأن النفس تحب الشهرة والجوائز ولا تستطيع العمل دون تقدير، هذا كله صحيح ولا نطلب من الناس أن يكونوا ملائكة أو أنبياء لكن أن يكونوا على علم بالأخطار المتعلقة بالنظرة الأحادية (أنا أعمل فقط من أجل نوبل)، ضع الجائزة نصب أعينك لكن حاول اختيار مشكلة بحثية تتناسب معك حتى ولو حصلت على جائزة أقل، اعمل من أجل الشهرة لكن لا تحارب الآخرين حتى تفوز أنت، الحياة الأكاديمية والعلمية مليئة بتلك القصص... للأسف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved