أتكون دمشق بعد قطر؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 6 ديسمبر 2010 - 12:04 م بتوقيت القاهرة

 يثلج صدورنا لا ريب رفع الملام بين مصر وقطر. لكن الغصة لن تفارق حلوقنا إلا إذا عاد الوئام بين القاهرة ودمشق. ذلك أننى أزعم أنه ما من عربى يخلص لوطنه الكبير ويعتز به إلا وقابل بالترحاب زوال السحابات التى اعترضت طريق القاهرة/ الدوحة. وما من عربى من هؤلاء إلا وتمنى اليوم قبل الغد وصل ما قطع بين القاهرة ودمشق.

واستشعر حزنا عميقا وحسرة إزاء ذلك الانقلاب المفجع فى خرائط العلاقات التى سمحت بالوصال بين القاهرة وتل أبيب وأدت إلى الانقطاع بين القاهرة ودمشق. وهو ما سبق أن قلته أكثر من مرة فى أكثر من مقام.

ما دعانى للعودة إلى طرح الفكرة هو ذلك التطور الإيجابى الذى شهدته العلاقات المصرية القطرية، بعد زيارة الرئيس حسنى مبارك للدوحة، أثناء جولته الأخيرة بمنطقة الخليج، وهو ما يسوغ لى أن أقول إننا دأبنا على وصف رحلات الرئيس إلى الخارج بأنها «ناجحة»، دون أن نعرف كيف ولماذا. لكننا تأكدنا من نجاح رحلته إلى الخليج بوجه أخص، حين قيل لنا إن عودة الصفاء مع قطر كانت من ثمارها.

ربما يكون الموقف مع سوريا مختلفا، وهو ما أسلم به ولا أستبعده. لكننى أقول إنه ليس مطلوبا تماما الاتفاق فى كل شىء. وإن العلاقات الإيجابية يمكن أن تتواصل فى ظل استمرار الخلاف. وهو أمر مفهوم فى العلاقات الدولية، علما بأن ما بين القاهرة ودمشق من وجهة النظر الاستراتيجية أكبر وأقوى وأهم بكثير من أى علاقة بين دولتين شقيقتين أو جارتين، ذلك أن محور القاهرة ــ دمشق ــ الرياض ظل دائما إحدى الركائز المهمة للبنيان العربى، بقيامه يستقيم البنيان ويستقر، وبانكساره يتصدع البنيان ويصبح آيلا للسقوط.

ليس هناك اتفاق حول الأسباب الحقيقية التى أدت إلى القطيعة بين القاهرة ودمشق، لكن أزعم أن ثمة اتفاقا بين المخلصين من أبناء هذه الأمة على أن الشقاق لا ينبغى له أن يستمر، وأن استمراره بمثابة خسارة فادحة للجميع، للطرفين والأمة بأسرها، فضلا عن أنه يعد هدية مجانية ثمينة لكل الذين يعادون الأمة ويكيدون لها ويسعدهم تشرذمها وانفراط عقدها.

سيقول قائل إن ثمة اختلافا فى السياسات بين البلدين. وهذا صحيح، لكننى أزعم أن ثمة اختلافات أكبر بين سوريا وتركيا، اللتين كانتا على وشك الدخول فى حرب يوما ما، ولكنهما تجاوزتا الخلافات (كان لمصر دورها فى نزع فتيل الحرب)، وأصبحت علاقاتهما الآن أوثق مما كانت عليه فى أى وقت مضى. رغم أن تركيا مازالت عضوًا فى حلف الأطلنطى، وعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل مازالت قائمة، وإن تراجعت نسبيا منذ العدوان الإسرائيلى على غزة، والعدوان على قافلة الحرية.

فى الوقت ذاته، ثمة اختلافات فى السياسات بين مصر وتركيا، يكاد يكون محصورا فى الموضوع الفلسطينى، حيث ترى حكومة حزب العدالة والتنمية أن حركة حماس لها شرعيتها باعتبارها حائزة على الأغلبية فى الانتخابات التشريعية، وأنها حركة مقاومة وطنية وليست إرهابية، فى حين أن الموقف المصرى ينطلق من رؤية مغايرة، أقرب إلى موقف قيادة السلطة الفلسطينية فى رام الله. أقول رغم هذا الخلاف فالعلاقات إيجابية بصورة نسبية بين القاهرة وأنقرة، وإن كانت فى المجال الاقتصادى أقوى منها فى الجانب السياسى.

ثمة اعتباران مهمان يستدعيان الوصل المنشود: الأول، إن تسوية القضية الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود، وأن الطموحات الإسرائيلية أصبحت تتقدم فى الفراغ العربى ممارسة قدرًا مدهشًا من العربدة والاستعلاء، مستغلة فى ذلك العجز العربى والضعف الأمريكى، الأمر الذى يعنى أن ترميم الصف العربى أصبح فريضة ملحة، والحد الأدنى المطلوب للتصدى لتلك العربدة. الأمر الثانى أن مصر الكبيرة لا تستطيع أن تتحلل من مسئولياتها إزاء أشقائها.

ومن ثم فإن مبادرتها إلى الوصل معهم تغدو سلوكا متوقعا ومرغوبا. وبتلك المبادرة فإنها لا تؤدى واجبا فحسب، وإنما هى بذلك تكبر أكثر وأكثر، خصوصا إذا استعلت بذلك فوق أى جراح أو مرارات.

إذا قال قائل إن المشكلة ليست فى علاقات البلدين ولكنها فى علاقات الرئيسين، فقد لا أختلف معه، خصوصا أن ثمة لغطا مثارا فى هذا الجانب، ومع ذلك أقول إنه فى مثل اللحظات المصيرية التى نمر بها فإن كفاءة القيادة وجدارتها تقاس بالقدرة على الارتفاع فوق ما هو شخصى، والانحياز إلى المصالح العليا التى هى صلب الموضوع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved