خدش الحياء

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

رفضت اللجنة التشريعية بمجلس النواب الاقتراح بإلغاء أو تعديل المادة الخاصة بخدش الحياء فى القانون، وهى المادة 178 من القانون رقم 58 لسنة 1937م، وتخفيف العقوبة من الحبس إلى الغرامة. ونُسب إلى أحد النواب ــ أثناء مداولات اللجنة ــ قوله بأن «السكرية وقصر الشوق فيهم خدش حياء، ونجيب محفوظ يستحق العقاب بس محدش وقتها حرك الدعوى الجنائية». بالطبع كان نجيب محفوظ ــ الأديب المصرى العالمى ــ الذى طبقت شهرته الآفاق، وترجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم، محظوظا، لأن لو قدم أحد ضده بلاغا للنيابة ربما تعرض للسجن لو وقف أمام المحكمة التى أدانت الروائى أحمد ناجى بالحبس عامين بتهمة خدش الحياء، بعد أن براءته محكمة الدرجة الأولى، ولا يزال خلف القضبان ينتظر عفوا أو نقضا للحكم. تجريم أعمال أدبية أو فنية بتهمة «خدش الحياء» يشكل قيدا على حرية الرأى والتعبير، ويحتاج إلى مراجعة النصوص القانونية، ولا سيما أن القاضى الذى ينظر فى عمل أدبى قد لا تكون له الدراية الكاملة بالأدب، وقد لا يكون معنيا به من الأساس، وبالتالى غير ملم بقواعد النقد الأدبى الذى ينظر إلى مجمل النص، وسياقاته، وظروف إنتاجه، ولا ينتزع أجزاء أو عبارات من سياقها. ولا ننتظر أن يكون القاضى ناقدا أدبيا، مثلما لا ننتظر من الناقد الأدبى أن يكون قاضيا.


خدش الحياء عبارة مصاطة، تحمل معان كثيرة، ويساء فهمها، خاصة مع تغير الأزمة، واختلاف الأجيال، وتنوع أساليب التعبير اللغوى، والحركى، والفنى. وما يراه البعض خادشا للحياء، لا يكون كذلك بالنسبة للبعض الآخر. والدليل أن مصطلح خدش الحياء يعنى «أى فعل أو قول أو إشارة تنزع إليه الشهوة من القبائح، وتعمل على تغير وانكسار وانقباض النفس للمتلقى على غير هواه». والسؤال المنطقى هو: أى متلقٍ؟ هناك عبارات أو تعبيرات تثير الجذع فى نفس البعض، لكنها لا تثير الشعور ذاته لدى البعض الآخر، وبالتالى فإن المسألة نسبية، والإدراك شخصى بحت. وإذا كان كاتب أى رواية من نجيب محفوظ إلى أحمد ناجى يستخدم ألفاظا أو عبارات تنطوى على ما يعتبره البعض «خدشا للحياء»، يجب أن ندرك أن أى منهما لا يهدف إلى ذلك، كل ما سعى إليه هو تقديم صورة من الواقع، مجردة من الزخرفة، تمثل مشاهد إنسانية مضطربة مختلطة، تحوى كل ما فى الحياة من جمال وقبح. ولم يخترع أى روائى عبارات خادشة للحياء، بل هى جزء من الحياة اليومية، لا تجرى فقط على ألسنة السوقة والدهماء، بل على ألسنة الطبقات الراقية والعليا من سكان الفيللات والقصور، وأصحاب السهرات الخاصة الصاخبة. لم يخطئ أديب أو كاتب حين اقترب من عالم اللغة القبيحة أو علاقات السوء فى المجتمع، لأنه ليس واعظا يدعو إلى الفضيلة، لكنه يقدم تفاعلات الحياة، وصفحات الحوادث مليئة بالجرائم، والشوارع تعج بالتحرش والمعاكسات، وحوارات الأجيال الشابة متخمة باللغة والحركات التى ندرجها تحت لافتة «خدش الحياء».


إذا أردنا مجتمعا أخلاقيا، وإنسانيا، علينا بالتهذيب من خلال التعليم والأسرة، والارتقاء بوجدان الناس، بدلا من أن نجعل القانون سيفا مسلطا على رقاب المبدعين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved