عالم عربى من الركام! عن الثورات المجهضة والهجوم المضاد

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 - 11:15 م بتوقيت القاهرة

يتبدى «الوطن العربى الكبير»، بمجمل أقطاره، وكأنه ركام من الآمال المجهضة والأحلام التى تحولت، بفعل الأخطاء والخطايا، إلى كوابيس... بل إنه كثيرا ما تبدت دولة وكأنها «جحيم» لأهلها..

وليس مستغربا أو مستهجنا أن تكون نسبة كبيرة من شبابهم قد «هجّت»، أو هى واقفة الآن على أبواب السفارات الأجنبية، الأمريكية بالدرجة الأولى، ثمّ بعض الدول الأوروبية، تنتظر تأشيرة خروج من جحيم بلادها العربية إلى أى مكان فى الدنيا...
خصوصا وأن دول النفط العربية التى اكتفت من «العمالة الوافدة»، وصارت انتقائية فى خيارها ولأسباب سياسية يختلط فيها «الأمن» بالطائفية والمذهبية، بل إن كثيرا من الكفاءات اللبنانية خاصة، والعربية عامة، تسعى إلى الجنسية الأجنبية، لا سيما الأمريكية أو البريطانية، خلال الدراسة، لتضمن قبولا سريعا فى مختلف أقطار الخليج، وكأنها كلمة سحرية تفتح الأبواب المرصودة.

ماذا تفعل إذا ما أنكرك وطنك فاضطهدك حكمه فى حقوقك البديهية: لقمة العيش والحق بالصحة والعلم، ثمّ حرية التفكير والرأى والعمل، قبل الحديث عن النقابة والجمعية والحزب السياسى حامل شعار الدعوة إلى غد أفضل؟

***
يستذكر الكهول، وحتى الشيوخ، من «الرعايا العرب» أن بلادهم كانت بلاد الخير، وأن إسقاط الأنظمة الملكية والديكتاتورية فيها وقيام الجمهوريات (فى مصر أولا، ثمّ فى العراق، ففى اليمن ومن بعد فى ليبيا) فتح أمام شعوبها أبواب المستقبل الأفضل.
وبعد ذلك أو معه تمّ تحرر الجزائر بعد مائة وخمسين عاما من الاستعمار الاستيطانى الفرنسى المتوحش الذى قضى خلال دهر احتلاله على أكثر من مليون شهيد. ثمّ تحررت ليبيا التى كان يتوزع أرضها ثلاثة مستعمرين، بعد هزيمة إيطاليا التى كانت قد احتلتها فى العام 1911 وأفنت نحو ثلث شعبها الذى خاض مقاومة باسلة كان أبرز قادتها المجاهد عمر المختار... وهكذا استقر الاستعمار الفرنسى فى الجنوب (فزان) والبريطانى فى الشرق (طبرق) ثمّ جاء الأمريكيون فابتنوا قاعدة عسكرية كبرى ومطارا عسكريا عظيما فى طرابلس... وأسقط النظام الملكى الهاشمى الذى أقامه البريطانيون (وزرعوا معه بذور الفتنة) فى العراق (1958) ثمّ اسقط حكم الإمام أحمد حميد الدين الآتى من خارج العصر فى اليمن (1962) وفى الأول من أيلول (1969) أسقطت «ثورة الفات» بقيادة معمر القذافى عرش السنوسى فى ليبيا.
هكذا لم يتبق فى الوطن العربى من الممالك، إلا الخلافة العلوية فى المغرب (وهى الأعرق)، والعرش الوهابى فى السعودية، ثمّ الأردن الذى سلخه الاستعمار البريطانى عن سوريا، وجعله إمارة هاشمية ثمّ تحول العرش فيها إلى مملكة بعد إقامة الكيان الإسرائيلى فوق أرض فلسطين... وتبدت الوظيفة الفعلية لهذا العرش حين«سمح» له بأن يضم الضفة الغربية من فلسطين إلى شرق الأردن لتغدو الإمارة مملكة هاشمية، لم تلبث حتى فقدت الضفة الغربية.. لكن المملكة استمرت تقوم بوظيفتها كحاجز اعتراضى بين الفلسطينيين وأرضهم المحتلة.

***
بعد سبعين عاما من الهزيمة العربية الأولى فى مواجهة المشروع الإسرائيلى فى فلسطين 1948، وخمسين عاما من الهزيمة العربية الثانية فى العام 1976، ثمّ الهزيمة الثالثة والقاضية بعد إضاعة نصر أكتوبر ــ رمضان ــ 1973ــ وما تلاها من اتفاقات صلح دائم (مصر) أو هدنة مفتوحة (سوريا)، ثمّ استيعاب إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية بعدما فقدت رأسها وأرضها فى الخارج وعادت بشروط العدو إلى الداخل.

وبعدما قضت الانقلابات العسكرية على روح الثورة فى مختلف الأقطار العربية، صار أى «جنرال» يقفز إلى السلطة أو أى لاجئ سياسى عائد بعد منفى يمنح نفسه ألقاب «المحرر» و«قائد الثورة» و«بانى النهضة» فى الطريق إلى واشنطن أو خلال العودة منها.

فأما الشباب فقد ولدوا ودولهم ليست دولا كالتى قرأوا فى التاريخ عنها، والتى استعمرتهم طويلا، من السلطنة العثمانية إلى الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والبرتغالية وحتى البلجيكية الخ... ولكنهم فى ظل دولهم المستقلة نظريا، ولها أعلامها الوطنية التى ترفرف فوق سرايات الحكم ويحملها المتظاهرون، عاشوا أوضاعا اقتصادية طاردة لكفاءاتهم وقد كانوا يفترضون أنهم مهيئون لبناء المستقبل الأفضل.

***
بعض الجمهوريات التى قامت على أنقاض الممالك ودول الخلافة، تهاوت فى حروب أهلية، أو نتيجة حروب أهلية، أو فساد طغى حتى تسبب فى تفسخ المجتمعات أو فى انقسامات دينية أو طائفية أو مذهبية تسببت فى تدمــير الوحــدة الوطنية.. خصوصا بعدما تقدمت إمارات النفط والممالك إلى الصف الأول، متصدية للقيادة بقوة قدراتها المالية وحاجة الجمهوريات (التى كانت مصدر الثورات والانتفاضات) إلى مساعداتها وقروضها «والشرهات».

و«على الأرض» تبدل المشهد جذريا: تحولت الممالك والإمارات إلى الهجوم مستفيدة من حاجة الجمهوريات إلى مساعداتها، واتخذت لنفسها حق الإمرة، وقررت قيد من مِنَ الأنظمة الجمهورية صالح للبقاء ومن منها يتوجب سقوطها أو إسقاطها حتى بالقوة! فاحتضنت المعارضات لبعض الأنظمة الجمهورية ودعمتها بالمال والسلاح والرجال، والشعار الإسلامى الذى يسهل غالبا استخدام إغرائه لاستقطاب المقاتلين من مختلف الدول الإسلامية حتى افغانستان، ومن سائر الدول العربية ومنها مصر وتونس والجزائر وصولا إلى موريتانيا والصومال الخ..

***
لقد دار الفلك بالدول العربية دورة كاملة فانقلبت الأدوار وإذا القيادة لأَغناها بالذهب الأسود وليس لأُغناها بالرجال والتاريخ والجغرافيا والثورات وأجيال الخيبة التى اندفعت إلى «الميادين» ذات يوم تطلب التغيير والتحرر من الهزيمة فإذا هى تواجه «السلطة» التى وصلت إلى سدة الحكم باسم ميادين الثورة ثمّ ارتدت على شعاراتها فتصدت بقمع القوة للمطالبين بالتغيير.

وهكذا عادت الخيبة تغطى بظلالها السوداء الأرض العربية، وتدفع بالأجيال الجديدة نحو السفارات الأجنبية بطلب الفيزا.. وحيث تفجرت الأوضاع صدامات دموية بين الأنظمة وقوى التغيير، سواء الوطنية منها، أو تلك الممولة والمسلحة من الخارج العربى أساسا، ومعها التركى، وغالبا تحت رعاية غير مباشرة من الغرب عموما، والأمريكى خصوصا.

وتحولت الانتفاضات إلى حروب أهلية مغذاة بالذهب والنفوذ الأجنبى... وجاء الاتحاد الروسى ليقاتل المنظمات الإرهابية ذات الشعار الإسلامى، والتى ضمت فى صفوفها أعدادا ملحوظة من «رعاياه» مستعيدا ــ إلى حد كبير ــ دور الاتحاد السوفييتى السابق فى ظل تراجع أمريكى واضح أعقب دوره التخريبى الكبير عبر احتلال العراق وتدمير ه ثمّ بعد.
هكــذا دار الفلك بالعــرب دورة شبـــه كاملـــــــــة..
وهـــم الآن فى انتظــــــار اكتمالـــــها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved