3 سيناريوهات بانتظار سد النهضة

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 6 ديسمبر 2021 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

على عكس كل التوقعات بانهيار نظام آبى أحمد الحاكم فى إثيوبيا، بعد سلسلة الهزائم العسكرية التى منيت بها قواته أمام جبهة تحرير إقليم تيجراى خلال الأسابيع الماضية، بدأت القوات الحكومية تستعيد الكثير من الأراضى والبلدات التى فقدتها، وسط تفسيرات ــ غير مؤكدة رسميا ــ بأن آبى أحمد تلقى مساعدات عسكرية من الصين ودولة عربية، أدت إلى هذه التحولات العسكرية المفاجئة.
انتصارات آبى أحمد فى الجولات الأخيرة لا تعنى أنه كسب الحرب أو حتى إنه فى طريقه نحو حسمها بشكل نهائى، فجبهة التيجراى ستلجأ إلى أسلوب حرب العصابات الذى أثبت فعاليته فى تحقيق انتصاراتها المدوية فى بداية المعارك، والتى تخلت عنه خلال مواجهاتها المباشرة مع القوات الحكومية خلال تقدمها نحو أديس أبابا، كما تكشف مؤخرا أن الجبهة لها صلات قوية بدول غربية تقف ورائها فى هذه الحرب، وهو ما أوضحه فيديو مسرب عن اجتماع بين دبلوماسيين غربيين وقادة جبهة تحرير التيجراى ناقشوا فيه الخطط الحربية التى تتبعها الجبهة، فى نفس الوقت الذى بدأت فيه جبهة تحرير الأورومو تلقى بثقلها فى الحرب وهى تعلن أنها تستعد للتحرك بقواتها نحو أديس أبابا..
أيا كانت نتائج الفصل الأخير لهذه المعارك، فإن السيناريو الوحيد الذى يمكن أن ينعكس إيجابيا على قضيتنا مع سد النهضة هو تفتت إثيوبيا نفسها إلى دويلات عرقية، سيكون إقليم بنى شنقول الذى يوجد السد على أراضيه أحد هذه الدويلات أو أن ينضم إلى السودان، وساعتها سيكون السد فى أيد أمينة بعيدا عن مخططات العصابة الحاكمة فى إثيوبيا، ومع ذلك فإن هذا السيناريو مستبعد تماما فى ظل الظروف الإقليمية والقارية الراهنة، فشرارة التفتت إذا اندلعت فى إثيوبيا تهدد بإشعال حرائق مدمرة فى معظم دول القارة الأفريقية التى تعانى من انقسامات عرقية وقبلية كبيرة وسط مجتمعاتها.
أما إذا انتصر آبى أحمد، فسوف يكون أكثر شراسة وتبجحا فى مفاوضاته معنا، وسوف يسرع فى بناء السد ليصبح هو شخصيا «أسطورة إثيوبية» تمشى على قدمين، باعتباره أول حاكم إثيوبى على مدار التاريخ كله منذ عهد الفراعنة حتى الآن، ينجح فى التحكم فى سريان نهر النيل، خاصة وأن الرجل يتبنى مشروعا سياسيا فى بلاده يحاول من خلاله تجاوز فكرة الحصص العرقية فى مناصب الدولة القيادية، ومنع سيطرة عرقية على الحكم، من خلال «حزب الرخاء، الذى أسسه وفق هذه التصورات، والذى يحظى ــ باعتباره حلا ديمقراطيا وظيفيا لمشكلة الاندماج الوطنى فى بلاده ــ بتأييد الكثير من النخب الإثيوبية وقطاعات شعبية واسعة أيضا، رغم المجازر التى ارتكبتها قواته فى إقليم التيجراى، وتعاونه العسكرى مع إريتريا ــ العدو التاريخى للتجراويين ــ فى حربه ضدهم!
أما السيناريو الثالث فيتمثل فى انتصار جبهة تحرير تيجراى واختفاء آبى أحمد من المسرح السياسى، وهو على عكس ما يتصور الكثير من المصريين بأنه الحل الأمثل لسد النهضة، فسمعة التيجراويين عندما كانوا يمسكون بمقاليد الحكم فى أديس أبابا لم تكن على ما يرام، بسبب سياسة التمييز العرقى التى كانوا يتبعونها، ولا أحد يضمن أنهم لن يكونوا أكثر تشددا فى مفاوضات سد النهضة، لكى يكسبوا شعبية وسط الإثيوبيين، الذين نجح آبى أحمد فى تعبئتهم ضد مصر، وتصويرها على أنها العدو التاريخى لهم، وأنها «تحقد» على أى تقدم أو ازدهار تحققه إثيوبيا!
أيا كان المستقبل الذى ينتظر إثيوبيا، فإن موضوع سد النهضة لن يكون سهلا، فإثيوبيا التى كشفت ظهرها وعرت كتفها خلال حربها الأهلية المستعرة، لا يزال قادتها يضربون بالمفاوضات معنا عرض الحائط، ويؤكدون أنهم سيبنون السد حتى آخر طوبة فيه، شئنا نحن أم أبينا، وهو ما قاله دينا مفتى المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية للصحفيين منذ عدة أيام، وهو ما يفرض علينا وضع سياسات تتعامل مع كل هذه التهديدات الإثيوبية، حتى لا نبدو وكأننا نراهن على المجهول فى أهم قضية تواجه أمننا القومى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved