أحزاب في الظل

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 6 ديسمبر 2022 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

دعا المجلس القومى لحقوق الإنسان إلى حلقة نقاشية حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ودور الأحزاب السياسية، افتتحتها السفيرة مشيرة خطاب رئيس المجلس، وعدد من أعضاء المجلس هم الأساتذة جورج اسحق، ومحمد أنور السادات، وسعيد عبدالحافظ، الذى أدار جلسة تحدثت فيها إلى جوار الأستاذ عصام شيحة عضو المجلس أيضا، واتسمت بالزخم، والتنوع فى الآراء. ويحسب للمجلس تنظيم هذه الفعالية المهمة، التى جمعت حشدا من القيادات الحزبية، وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ، والباحثين والشخصيات العامة. وقد كان لافتا أن النقاش لم يدر فقط حول دور الأحزاب فى نشر ثقافة وممارسات حقوق الإنسان، كما كان مفترضا، لكنه امتد إلى أزمة الأحزاب السياسية ذاتها.
فى الواقع يصعب الحديث عن الأحزاب بوصفها كيانا واحدا، لأنها تختلف من حيث التكوين والتأثير والحضور السياسى، منها ما هو فاعل، ومنها ما هو خامل، ولكن الملاحظة أن غالبية الأحزاب السياسية تعانى من أزمة مركبة، فهى متضخمة فى العدد، قليلة الإنجاز والتأثير. لا توجد لها قواعد واضحة فى الشارع، وتفتقر إلى الجماهيرية، مثلما تفتقر إلى الموارد البشرية والمادية. ليس أدل على ذلك من إعلان رئيس حزب أنه يسدد اشتراكات الأعضاء من جيبه الشخصى، ومن طلب آخر عودة الدعم الحكومى للأحزاب الذى توقف منذ سنوات، مما جعل غالبية الأحزاب كيانات مؤسسية فقيرة، تعانى من نقص فى الخبرات، وتبتعد عنها النخب المثقفة القادرة على تطوير برامجها، وتحديث هياكلها، بما فى ذلك تبنى نظرة متكاملة تجاه حقوق الإنسان.
واللافت أن الدولة فى السنوات الأخيرة تبنت سياسات لم تطالب بها الأحزاب، أو تقدم مقترحات بشأنها مثل برامج الحماية الاجتماعية المتعددة، والمشروعات القومية، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وغيرها. ويمثل دعم الدولة المصرية فى معركتها ضد الإرهاب وتحقيق التنمية واجب على كل المؤسسات، حزبية وغير حزبية، دون انتظار مقابل، بما فى ذلك طلب إعادة دعم الأحزاب ماليا، لأنه يُفترض أنها مؤسسات مستقلة تقوم على موارد أعضائها. كل ما هو مرجو، وتطالب به الأحزاب السياسية التى تسعى أن يكون لها دور جاد فى المجتمع، هو تطوير الممارسة السياسية بحيث يصبح لها مساحة حرية متسعة، وتواصل أفضل مع الجماهير وإزالة أية معوقات أمامها، وهى مسئولية الدولة، لكنها أيضا مسئولية قطاع عريض من الأحزاب تفتقر إلى العديد من مقومات الحضور والتأثير، وتعجز عن تقديم نموذج يٌجسد فى بنيتها وسلوكها قيم حقوق الإنسان، والتعددية، واحترام الآراء المختلفة، وتداول المواقع القيادية، وافساح المجال أمام مشاركة المرأة والشباب، والخروج من العاصمة إلى مختلف انحاء الجمهورية، والعمل على تنشئة أجيال من الشباب سياسيا وحقوقيا.
وفى مجال الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فإن الأحزاب مُطالبة بعدة أدوار منها ما هو تشريعى، وتثقيفى، وتوعوى، على نحو يعزز دورها فى تعزيز حقوق الإنسان، ولكن يتوقف الأمر على إمكاناتها المؤسسية، وحضورها على المستوى الجماهيرى، وقدرتها على التواصل مع الإعلام، وطرح مبادرات وأفكار جديدة.
ويبقى الحديث عن الأحزاب، وشئونها وشجونها، طويلا لا ينتهى، لكنه مهم إذا أرادنا تطوير العمل السياسى، فلا ديمقراطية بلا أحزاب حقيقة، ويظل المعيار كيفيا، وليس كميَا، ولا زلت عند رأيى أن مصر لا تحتاج إلى ما يزيد على مائة حزب الآن، لا يعرف الناس سوى عدد قليل منها، وتتشابه برامجها إلى حد التطابق فى كثير من الحالات، وكأن التعددية مسألة شخصية أكثر من كونها مؤسسية، وهو ما يدفعنا إلى التفكير فى صيغ أفضل لتطوير النظام الحزبى، بحيث يكون أقل تخمة، وأكثر تأثيرا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved