ضباب فوق السد الإثيوبى!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 7 يناير 2022 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

استهل آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، العام الجديد بزيارة إلى موقع سد النهضة، ليرفع من منسوب قلقنا المشروع من ذلك الكابوس الجاثم فوق منابع النيل، والذى يعرقل تدفق المياه بسلاسة إلى دولتى المصب، ويشكل تهديدا حقيقيا ومباشرا لوجود مصر، التى يرتبط إرثها الحضارى وحياة شعبها ارتباطا وثيقا بجريان هذا النهر منذ آلاف السنين.
زيارة آبى أحمد، جاءت عقب تمكنه بمساعدة عدة دول ــ بعضها للأسف فى المنطقة ــ من تغيير بوصلة واتجاه الحرب ضد جبهة تيجراى لصالحه، بعد أن كانت عناصرها على مسافة قريبة جدا من دخول العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ووفقا لمصادر إثيوبية فإن هذه الزيارة تأتى فى إطار «الاطمئنان على جاهزية السد لتوليد الكهرباء». وذكرت تقارير إعلامية إثيوبية أنه تم اكتمال الاستعدادات لبدء اختبار إنتاج الكهرباء خلال الأيام المقبلة.
يتزامن ذلك مع تزايد المخاوف من قيام إثيوبيا بعملية الملء الثالث للسد فى فترة الفيضان القادمة، والمقررة خلال شهور الصيف، حتى من دون التوصل لاتفاق شامل وعادل ومُلزم قانونا حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، مثلما تطالب به مصر منذ سنوات، حيث رجح خبراء مصريون، شروع أديس أبابا فى الأعمال الخرسانية لتعلية الممر الأوسط للسد خلال فبراير المقبل للوصول لارتفاع 20 مترا، والوصول لمنسوب مياه 595 مترا، حتى يمكن تخزين 10.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالى التخزين فى الصيف المقبل إلى 18.5 مليار متر مكعب.
هذه الخطوات مجتمعة تؤشر إلى أننا أمام كارثة حقيقية، ستلقى بتداعياتها السلبية على مصر أكثر من أى دولة أخرى، وهو ما أكده تقرير التنمية البشرية فى مصر 2021، الصادر قبل أيام من قبل وزارة التخطيط بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، حيث قال إنه من المتوقع أن تترك عملية ملء سد النهضة تأثيرا خطيرا فى مدى توافر المياه، كما ستؤدى إلى خفض نصيب الفرد من المياه، حيث تقع مصر حاليا تحت خط الفقر المائى العالمى المقدر من الأمم المتحدة بنحو 1000 متر مكعب من المياه سنويا.
وذكر التقرير أنه حال استغرقت عملية الملء 5 سنوات فقط، كما خططت إثيوبيا، سيزيد معدل النقص التراكمى لمياه السد العالى بأسوان إلى 92 مليار م3، موزعة على مدى عدة سنوات، وسرعان ما سينخفض منسوب المياه فى بحيرة ناصر إلى 147 م، فيتعذر تعويض الفاقد من المياه.
وعلاوة على ذلك، سيكون لملء سد النهضة الإثيوبى الكبير وتشغيله تأثير سلبى فى إنتاج السد العالى من الطاقة الكهرومائية، فمثلا حال استغرقت عملية ملء سد النهضة 5 سنوات ستصل التكلفة المرتبطة بانخفاض إنتاج السد العالى من الطاقة الكهرومائية بعد 10 سنوات من عملية الملء إلى نحو 16.4 مليار دولار، مما يعيق قدرة مصر على ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الموثوقة والمستدامة. وحذر التقرير من أن السد الإثيوبى سيؤدى إلى تفاقم الوضع وقد يؤدى إلى نشوء نزاعات بسبب المياه فى المنطقة.
التحذيرات المصرية المتزايدة من مخاطر وتداعيات تحكم دولة واحدة فى مياه النيل، لا تجد حتى الآن آذانا صاغية من جانب المجتمع الدولى، رغم أنها تمثل تهديدا مباشرا لحياة أكثر من 150 مليون شخص فى مصر والسودان، وما يترتب على ذلك من أضرار بالغة للأمن والاستقرار فى القارة الإفريقية.
عدم الاكتراث الدولى بالشواغل والمخاوف المصرية الحقيقية، يدفع «آبى أحمد» المنتشى بجرائمه ضد أبناء شعبه، إلى مواصلة عمليات ملء خزان سد النهضة بدون الالتفات لمصالح دولتى المصب، وهو ما يزيد من ضباب أزمة السد ويحجب الرؤية عن الوصول إلى حل قريب، وبالتالى ينبغى على الدولة المصرية الآن وقبل شروع أديس أبابا فى عملية الملء الثالث، تغيير رسائلها اليومية المطالبة بتدخل دولى للتوصل إلى اتفاق ملزم، وأن تتنبى رسالة واحدة لا تخطئها عين، وهى أن إثيوبيا لن تنعم بالتنمية والكهرباء إذا نقصت حصة مصر من المياه كوبا واحدا، وأن الحرب هى «خيار الضرورة» الوحيد، حال أصر أى طرف على تجاوز الخطوط الحمراء، والاعتداء على حدودنا أو تهديد وجودنا وأمننا القومى، أو المس بحقوقنا المشروعة أو تغيير الاتفاقات التاريخية التى تحفظ حصتنا فى مياه النيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved