الأستاذة فاطمة

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 7 يناير 2022 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

فى نهاية فيلم «الأفوكاتو مديحة» إخراج يوسف وهبى عام 1949 انصاعت الشابة الصغيرة المحامية مديحة للضغوط الاجتماعية التى فرضت عليها واضطرت إلى أن تغلق مكتبها وأن تتحول إلى زوجة لابن عمها الجاهل الثرى، وذلك بعد أن عايرها أخوها قائلا محذرا «أعلن عليكى لعنة الفلاح» باعتبار أن عمل المرأة فى تلك المرحلة الزمنية كان غير محبب فى المجتمع ويجب على السينما أن تناصر أفكار المجتمع، وبعد ثلاث سنوات قُدم فيلم الأستاذة فاطمة إخراج فطين عبدالوهاب نفس الموضوع فى إطار كوميدى ولكن مع تغييرات طفيفة فى الموضوع ونهاية مماثلة حيث رددت المحامية فاطمة لحبيبها عادل أنها سوف تترك المهنة لأن مصيرها هو البيت وأنها سوف تغلق مكتب المحاماة هكذا كان يفكر المجتمع فى المدينة والريف رغم أن فاطمة تعيش فى بيئة شعبية بسيطة وأبوها رجل «بلدى» يقرر أن يتعلم وأن يمحو أميته فهو الذى قام بفتح مكتب المحاماة لابنته ووقف إلى جانبها ليناصرها خاصة فى مواجهة زميلها وخطيبها عادل الذى يفتح محل محاماة فى الشقة المقابلة، هذا الأب خصص مساعدة لجلب زبائن المكتب لابنته حتى لو اضطرت إلى سحب زبائن المكتب المقابل الذين يفضلون أن يكون المحامى رجلا وليست الأستاذة فاطمة، كما أن هذا الأب هو الذى قام بعمليات بوليسية فى التحرى من أجل كشف بعض الغموض الذى قابل ابنته فى دفاعها عن خطيبها عادل حين اتهم فى جريمة قتل.
الأب هنا مختلف تماما عن الأخ الذى هدد أخته معلنا عليها لعنة الفلاح، فهو يريدها أن تعمل ونحن لا نعرف ردة فعله بعد أن قررت ابنته أن تتفرغ للدار وعقد زواجها من عادل.
فاطمة وعادل جاران زميلان يبدآن حياتهما، كل بفتح مكتب محاماة وبينما الفتاة ليس لديها سوى قضية واحدة طوال أحداث الفيلم فإن عادل محظوظ؛ لديه أكثر من قضية أبرزها الزوجة قرر رجلها أن يهب ثروته إلى أقاربه وأن يبقى على جزء منها من الثروة كى تعيش زوجته من بعده فى غير حاجة إلى أحد، هذا الزوج يعانى من أمراض القلب ما يغضب زوجته التى لديها عشيق وتقرر قتل رجلها قبل تنفيذ الوصية «الدوران يقوم بهما كل من لولا صدقى وصلاح نظمى، ويتم تدبير خطة توحى بأن عادل هو من قتل موكله بسكين، هى فاتحة الخاطبات، ويساق المحامى الشاب إلى المحاكمة وتقرر فاطمة الدفاع عن حبيبها وخطيبها فى أول مثول لها أمام القضاء، لقد تحول المحامى إلى متهم وأمام المرأة فرصة لكى تثبت كفاءتها من أجل إنقاذ زوجها من حبل المشنقة باعتبار أن الجريمة قتل مع سبق الإصرار».
وفى المحكمة يبوح المتهم أنه يحب تلك المحامية الجميلة ويعلن أنه يتمنى لو نجحت فى إنقاذه.
حتى هنا كل الأطراف التى حول فاطمة يساندونها بقوة شديدة بخلاف جميع أفراد عائلة الأفوكاتو مديحة ويقوم أهلها بالوقوف بجانبها من أجل إثبات براءة عادل، إنها مهمة عسيرة ولكن تلك الصغيرة تنجح فى مهمتها وبعد إثبات براءة عادل تخبره بكل طواعية عن قرارها بإغلاق المكتب والتفرغ للبيت.
لا شك أن هذا النوع من النساء والمهن فى تلك الفترة كان يعانى من قيود اجتماعية بالغة القوة، ولا أعتقد أن السيناريو المكتوب مثل هذه النهاية الرجعية، ولكنها كتبت من أجل إرضاء جمهور رجعى فى المقام الأول أشبه بأسرة مديحة لأنه يبدو أن الأسرة المصرية كلها لا تريد للمرأة أن تنجح أو تعمل، وقد انتصرت المرأة بشكل ملحوظ فيما بعد لكن ليس هناك فيلم باسم الأستاذة الأفوكاتو مثل هذين الفيلمين وفى فيلم حكاية وراء كل باب الذى قام ببطولته فاتن حمامة فإن الزوجة هى محامية وعضو مجلس الأمة وزوجها مجرد موظف صغير فى إحدى المصالح الحكومية ينتظر الترقية، وهى التى تتولى أمور المنزل سبحان الله لم يكن للسينما المصرية رؤية مستقبلية تجاه المرأة التى تطورت وضعيتها وفرضت نفسها على المجتمع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved