(يالله نفسى)

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 7 فبراير 2010 - 11:38 ص بتوقيت القاهرة

 ربما القيمة الأكثر أهمية تتمثل فيما أقدم عليه د. جمال زهران عضو مجلس الشعب من مطالبته لرئيس الوزراء ،فى بيان عاجل، بتطبيق الفتوى التى أصدرها مجلس الدولة، بعدم أحقية جمع د. إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق بين منصب رئيس شركة الخدمات البترولية وعضوية مجلس الشعب ــ على د. عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق. والذى يجمع هو الآخر بين عضوية مجلس الشورى ورئاسة المصرف العربى الدولى والذى تسهم فيه الدولة بـ30 % من رأسماله.

القيمة الأكثر أهمية ليست فقط الإبقاء على قضية مخالفة القانون والدستور فى عقر دار مجلس الشعب جهارا نهارا مفتوحة، وهذا أمر على جانب كبير من الأهمية.. ولا أن يكون فقدان وزير الإسكان السابق لكل من منصبه فى المجلس النيابى ورئاسة الشركة، بالشكل الدراماتيكى الذى تم به، دافعا للبعض بالادعاء بأن هناك محاولات جادة لمحاربة الفساد «لا سمح الله» وهذا أيضا له أهميته.

ولا تكمن أهمية البيان أيضا فى أن ترد إلى الدولة الملايين التى حصل عليها أصحاب المعالى ومحاسيبهم من كبار المسئولين بدون وجه حق بفضل الجمع بين المجلس والجلوس على أوسع الكراسى الوثيرة فى الشركات والبنوك . وهذه الأموال العائدة ربما تكون داعمة لموازنة الدولة التى تعانى عجزا حير وزير المالية. خاصة إذا واصل بقية الأعضاء المشاغبين فى المجلس فرز السادة النواب من عينة الوزير ورئيس الوزراء السابقين. لأننا قد نكتشف أن ما خفى من الأعضاء المخالفين هو الأعظم. ويكون هناك مورد جديد لوزير المالية لعله يخفف من يد الضرائب الباطشة.

وهذا البيان العاجل للنائب المشاغب هام ليس فقط بسبب أنه فتح عيون المجتمع على التفاوت والتناقض الصارخ وغير العادل للأجور فى مصر. فبينما مازال د.عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية يراوغ فى الإعلان عن حد أدنى للإجور فى مصر. بل ويفاصل فى قيمته بين أن يكون فى حدود 300 جنيه فى الشهر، بدلا من 600 جنيه حسبما يطالب به اتحاد العمال، أو 1200 جنيه طبقا لحسبة أصحاب القلوب الرحيمة من الباحثين، نجد أصحاب الحظوة يتقاضون أجورا بالملايين وبالمخالفة للقانون.

وربما تتجاوز أهمية هذا البيان أيضا كونه دافعا لنواب آخرين ربما يفتح الله عليهم ويسألون مجرد سؤال «وماذا عن السادة الوزراء الذين هم أعضاء فى مجلس الشعب ولايزالون يتقاضون راتبهم من الحكومة التى من صميم عملهم النيابى استجوابها؟».

ويمكن أن يكون من مزايا هذا البيان العديدة أنه ربما فتح الباب واسعا أمام تعديل تلك المادة (95) فى الدستور والتى تنص على أنه «لا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يستأجر شيئا من الدولة، أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقاضيها عليه، أو أن يبرم مع الدولة عقدا بوصفه ملتزما أو موردا أو مقاولا». بحيث نشطب كلمة واحدة وهى «لا يجوز» ونستبدلها بكلمة «يفضل» وبذلك نسد الباب الذى يأتى لنا منه الريح فستريح جميعا من هذا التناقض. وبعدها عندما يقف عضو مخالف فى مجلس الشعب ليقسم قائلا «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على سلامة الوطن والنظام الجمهورى، وأن أرعى مصالح الشعب وأن أحترم الدستور والقانون» لايكون مضطرا بعدها أن يستغفر متمتما فى سره لاستكمال القسم «فى بعض الأحيان» أو «إذا لم تضطرنى الظروف».

الأهم من كل ما تقدم، بالنسبة لى، أننى وجدت فى ملابسات هذه القضية وهذا البيان ما يرد على كثير مما كان يشغلنى عندما قرأت الدراسة التى أعدتها وزارة التنمية الإدارية حول «سلوك المصريين تجاه قيم النزاهة والفساد».

عرفت لماذا أظهرت الدراسة أن المصريين أصبحوا يميلون إلى التقوقع حول ذواتهم وذوات أسرهم وأصدقائهم، ويبتعدون عن كل ما هو عام. أى إن الذات الجماعية قد أصابها الوهن وهذا ما أكده 80 % من المصريين، من العينة التى أجرى البحث عليها، والذين مالوا إلى تفضيل أسبقية المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وردد نصفهم عبارة «يالله نفسى». وعندما تشيع فى ثقافة الناس مثل هذا القول يكون طريق الخلاص فرديا وليس جماعيا «وقد يكون الفساد أحد طرق الخلاص» كما توصلت الدراسة.

وربما الأغرب هو ذلك التناقض فى سلوك المصريين فهم يوافقون على استخدام الوساطة والمحسوبية لتحقيق مصالحهم الشخصية، بل ويبررونها لأنفسهم، فى حين يرفضونها بشدة كسلوك عام. فهم يجيبون بالرفض على سؤال هل تقبل تعيين موظف ليس لديه كفاءات بالواسطة؟ فى حين أنهم يقبلون فكرة تعيين الأبناء فى مهنة الأب بالواسطة. ويستنكر أكثر من 70 % منهم لجوء الأب للواسطة لكى يدخل ابنه المدرسة دون السن القانونية، بينما يقبل بعضهم أن يقوم هو بذلك. وعندما يكون عليهم إبداء رأيهم فى سؤال مثل ما رأيك فى «واحد يستخدم أى وسيلة علشان يحقق أهدافه؟ يردون بمنتهى راحة الضمير بالرفض. بينما هم يردون على سؤال ما رأيك فى موظف بيسهل خدماته للأهل ببلدته؟ موافقون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved