حرق الكساسبة.. آخر مسمار فى نعش داعش

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 7 فبراير 2015 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هتف رسول الله (ص) مخاطبا الدنيا كلها «إن النار لا يعذب بها إلا الله» ومزمجرا فى دعاة الحرائق جميعا «لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل»، فقد اختص الله لنفسه دون سواه بالعذاب بالنار وجعله فى الآخرة فحسب.. ولم يبحه لنبى ولا لولى.. ولم يفوض أحدا من خلقه فيه.. بل إن صيحته (ص) ما زالت تدوى فى الآفاق «من مثّل بذى روح ثم لم يتب مثّل الله به يوم القيامة».. أما أحمد بن حنبل الذى يتطاول عليه بعض سفهاء اليوم يقول «لا يشوى السمك فى النار وهو حى».. وقد كره أكثر علماء السلف حرق الهوام مثل الناموس والبعوض رغم أذاه.. أما أم الدرداء فكانت تنهى عن تحريق البراغيث من باب الشفقة والرحمة رغم أذاها وجواز قتلها.

أما الحقيقة المرة التى يتغافل عنها البعض أن أمتنا لم تعرف الحرق حقا ولم تستسهله إلا بعد ثوارث الربيع العربى فبدأت بحرق أقسام الشرطة ومقار الحزب الوطنى والمجمع العلمى حتى رأينا من يرفع علامة النصر وهو يحرق هذا المجمع.. ولا أدرى على أى شىء انتصر.. فلما لم ينكر القوم الحرق اتسع نطاقه فشمل مساجد وكنائس وأقسام شرطة أخرى ومقار للمحاكم والنيابات وأحزاب مثل الحرية والعدالة والوفد ومحافظات وأحياء حتى كاد الوطن يحترق.. ثم امتد الحرق إلى النفوس فاشتعلت بالكراهية والمقت والبغضاء فالتكفير والتخوين والتفحش مع شرعنة ذلك كله.. ثم جاءت داعش لتدشن المرحلة الثالثة بحرق الإنسان نفسه فى أول سابقة من نوعه بحرقها للطيار الأردنى الكساسبة فى قسوة قلب وغياب عقل وغلظة فؤاد أرى أنه سيطيح بعروش داعش كلها ويدق المسمار الأخير فى نعشها.

والغريب أن بعض كارهى أبى بكر الصديق قفز سريعا من إدانة داعش إلى إدانة هذا الصحابى الرقيق واتهامه زورا وبهتانا بأنه أحرق أحد الأسرى ولا ندرى من أين جاء هؤلاء بذلك.

هؤلاء لم يعرفوا بعد الصديق الذى اقترح على الرسول (ص) إطلاق سراح أسرى بدر من المشركين الذين عذبوا ونكلوا وحاربوا الرسول والصحابة.. لقد قال أبوبكر يومها «يا رسول الله أرى أن تعفو عنهم أو تقبل منهم الفداء»، فاستبشر الرسول برأيه وعفا عنهم ورفض رأى عمر الذى كان يرى قتلهم.. ويومها شبه الرسول بإبراهيم عليه السلام فى عفوه ورحمته.

إن هناك ثلة فاشلة تريد إدانة الإسلام نفسه وليس إدانة داعش.. ناسية أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» عفا فى يوم واحد عن ستة آلاف أسير من هوازن وغطفان دون مقابل إكراما لرضاعته فيهم واستجابة لأخته من الرضاعة الشيماء التى شفعت فى قومها.

إن هؤلاء وغيرهم لا يدركون أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» تمكن من قريش التى آذته وفعلت به وبأصحابه الأفاعيل فأبى أن يعاتبهم أو يعاقبهم.. وصفح عنهم الصفح الجميل مستعيرا كلمات شقيقه يوسف عليهما السلام «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين»، ثم أردف قائلا «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وإذا كانت داعش وأخواتها من المجموعات التكفيرية لم تعرف الإسلام ولا الصحابة ولا السيرة حق معرفتها أو قرأتها بطريقة مغلوطة كعادتها.. فإن أقوما آخرين يريدون الطعن فى كل الصحابة والعلماء العظام.. ناسين أن رسول الإسلام أمر بالإحسان حتى إلى الشاة التى ستذبح وتطبخ وتؤكل بعد ساعات قائلا «إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».

وقد عاش الصحابة مع هذا المعنى العظيم الذى يرسخ الإحسان فى النفوس حتى لو لم تكن له فائدة للآخرين فقال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم «إنى لأذبح الشاة وأريد أن أرحمها فقال له رسول الله (ص) «والشاة إن رحمتها رحمك الله».

وهذا أحمد بن حنبل الذى يسخر منه بعض الحمقى اليوم يقول عن الشاة قبل أن تذبح «تقاد إلى الذبح قودا رفيقا وتوارى السكين عنها إلا عند الذبح».

إنه الإسلام العظيم يا قوم الذى أدخل امرأة النار فى هرة حبستها فلم تطعمها ولم تسقها ولم تتركها تأكل من الأرض.. إنه الإسلام الذى أدخل بغيا الجنة فى كلب سقته.

وإذا كانت داعش تجهل الإسلام بغبائها وحمقها وجهلها وغلظة قلبها وتكفيرها للخلائق.. فإن أقواما آخرين يريدون محاكمة الإسلام نفسه وهدم علمائه على مر الأزمان ووصف رموزه العظيمة بأنهم دواعش كل العصور.

لقد حفرت داعش قبرها بيدها ووضعت المسمار الأخير فى نعشها بحرقها للطيار الأردنى حيا وتصويره وبثه للعالم كله.. لتقدم أكبر خدمة لأعداء الدين وتذبح الإسلام بسكين بارد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved