صفقة القرن والوعى بالتاريخ

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 7 فبراير 2020 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

منذ عدة سنوات ظهر مصطلح «الأمن الفكرى» وكان الغرض من تحقيقه أن يكون لطبقات الشعب العربى كافة نوع من القدرة على التمييز بين الغث والسمين فى مواجهة الأفكار التى تعرض عليه أو يتعرض لها من خلال وسائل الإعلام جميع داخليا وخارجيا، وقد استهدف بالأمن الفكرى الطبقات الاجتماعية والشرائح العليا فى التأثير كرجال الحكم وأصحاب القرار السياسى بكل طبقاتهم ورجال الأمن ورجال الدين من أئمة المساجد وكهنة وقساوسة الكنائس والمدرسين والقيادات فى كل مجال... إلخ، لكن تحقيق الأمن الفكرى فشل لأنه ولد فى ظل ظروف طارئة أو قُل بسبب ظروف معينة كرد فعل للأعمال الإرهابية التى تقع من وقت لآخر، فقد كان مضمونه الأوحد والأساسى هو مواجهة الفكر الجهادى والتكفيرى، ولأن خطة «الأمن الفكرى» لم تتوسع لتشمل القرارات الإقليمية والعالمية الماسة بالمجتمع الوطنى أو المحلى لبلد ما، وكيفية مواجهتها من جماهيرها حتى تصبح واعية بما يقدم لها أو يطرح عليها ومحصنة من أى غزو ثقافى، والقدرة على التمييز بين ما يضر وما ينفع، لكن هذا التوجه فشل لأسباب عدة من أهمها تعريف وفهم ماذا يعنى الأمن الفكرى؟.
فأول وأساس الأمن الفكرى هو الوعى بالتاريخ، وبلا شك نحن لدينا إشكالية فى تدوين تاريخنا العربى لأن هناك شدا وجذبا بين الدولة الوطنية المحلية التى بدأت من بداية القرن التاسع عشر حتى عام 1940م والتى سبقت التاريخ العربى الشامل لكل البلاد العربية، وكانت الكتابة عن هذه الفترة والتأريخ لها من وجهة نظر الدولة العربية المحلية، لذلك لا نجد اليوم معالجة واحدة شاملة متماسكة تهدف إلى إلقاء الضوء على تطور الفكر العربى ومدارسه، هذا فضلا عن أن المؤرخ العربى موظف عند الدولة العربية لذلك يكتب من وجهة نظر الدولة، فقد رصد شفيق غربال التاريخ المصرى بداية من محمد على الكبير 1805م، وهكذا فعل عبدالله العروى فى المغرب فى نفس التوقيت تقريبا.
ولقد حاول بعض المؤرخين العرب والعالميين أن يرصدوا تاريخ الدول العربية مجتمعة على أساس تجميع الوثائق التاريخية، إلا أنه ثبت أن من المستحيل أن تحصل على وثيقة حقيقية من أى دولة عربية. لذلك هناك تدهور فى كتابة التاريخ عند العرب.
***
فى هذا المناخ فوجئ العالم العربى بما دُعيَ بالربيع العربى، وكان هدف الربيع العربى الشامل هو إنشاء دولة حديثة تشابه الدول الأوروبية الديموقراطية لكن بصيغة عربية، لكنهم صُدموا بما جرى بانتفاض الفكر الأصولى الذى سيطر على الوطن العربى بالقفز فوق الانتفاضات التى تطالب بالحرية والمساواة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وهكذا سقط الربيع العربى أمام التيار الدينى الذى تغلغل وانتشر خلال الحكومات العسكرية من الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضى على طول وعرض الوطن العربى.
لقد كان العصر الذهبى للوطن العربى فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، حيث حمل مشروعا عربيا متكاملا، ولا أحد يشك فى أن الأمة العربية أمة قائمة، لكن لم تعِ هذه الأمة أنه قد نشأت داخلها حركات لا تؤمن بوجود كيان عربى شامل، وذلك لأن دول الخمسينيات والستينيات لم تطور ذاتها ولم تتحول بالتدريج إلى الديموقراطية والأحزاب الحقيقية التى تعبر عن هذه المجتمعات، وعندما فشلت هذه المجتمعات انفجر بركان الربيع العربى لكن هذا الانفجار لم ينجح لسببين؛ الأول الحركات الأصولية التى قفزت على الثورات والثانى التدخل الخارجى. من هنا نستطيع القول إن محمد مرسى جاء نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة هدفها إنشاء مجتمعات حديثة تؤمن بالدين لكن له مجاله الخاص به، وبالسياسة التى لها مجالها الخاص بها والتأكيد على عدم الخلط بينهما.
وهكذا فشل الربيع العربى بظهور التيار الأصولى للسيطرة على دولة الخمسينيات والستينيات، وهنا قامت المؤسسات العسكرية فى الجزائر وتونس ومصر وليبيا والسودان... إلخ، بحسم الأمور حيث كانت هى الملجأ الأخير لحماية الدولة الوطنية (حلم الخمسينيات والستينيات) وهذه المرحلة، لابد أن تنتهى إن آجلا أو عاجلا لتأتى الديموقراطية الحقيقية، فالديموقراطية هى البرنامج الوحيد المطروح فى العالم كله وهناك نوعان من الديموقراطية يكملان بعضهما البعض ولا ينفصلان، الديموقراطية الليبرالية التى تطور المجتمع سياسيا واقتصاديا، والديموقراطية الاجتماعية التى تطبق الديموقراطية بحذافيرها وأبعادها على الأرض من أحزاب وانتخابات ومساواة وعدالة، من هنا نستطيع القول إننا ونحن بهذه الحالة التى نعيشها كوطن عربى، فوجئنا بصفقة القرن فكان الرفض المطلق من الفلسطينيين لأى حوار، وقد ثبت أن العلاقة بين العرب والفلسطينيين علاقة بلا قواعد واضحة فهى (عاطفية أكثر منها سياسية) وعندما نقول عاطفية فنحن نعنى مزيجا من القبول والرفض، من الحب والكراهية، من الهواية والاحتراف... إلخ.
***
من هنا نحن كوطن عربى لا نمتلك سياسة موحدة فى مواجهة السياسة العالمية تجاه الوطن العربى، فهناك مشتركات تجمعنا معا من أهمها الوطن الذى نعيش فيه بأراضيه، وبالطبع الدين واللغة والعادات والتقاليد.... إلخ. وهى الدروس التى علموها لنا فى مرحلة الابتدائى، وكان لابد أن تكون لنا خطوط عريضة لسياسة موحدة نواجه بها العالم فى معظم الأمور التى تهمنا كعرب، مثلا من المبادئ الأولية بهذا الشأن أنه لا تنفرد دولة ما بالإدلاء برأيها فى موضوع يهم الوطن العربى قبل أن يتم اجتماع لمناقشة الأمر من ناحية قبوله أو رفضه. لقد كانت ردود فعل العرب على الطرح الأمريكى لحل القضية الفلسطينية مثيرا للشفقة والتعاطف كالعادة، حيث كانت ردود الأفعال قبل القيام بدراسة الأمر وهو ما يحدث دائما، لقد عبر ترامب عما يفعله العرب فى مواجهة مثل هذه الأمور تعبيرا دقيقا جدا حيث صرح «أنهم سوف يرفضون المشروع فى البداية لكنهم سيقبلونه فى النهاية». اعتقد البعض أن هذه العبارة إهانة للفلسطينيين والعرب لكن أراها تعبر تماما عن واقعنا وإذا كنت ــ عزيزى القارئ – تختلف معى فلنُعِد قراءة التاريخ معا بهدوء شديد منذ ما قبل حرب 1948 م وحتى اليوم. ولنرَ فى ضوء ذلك هل ترامب كان على حق أم على باطل فى فهمه لحالتنا، أم نحن الفاهمون لترامب؟!.
أستاذ مقارنة الأديان
الاقتباس
لقد كان العصر الذهبى للوطن العربى فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، حيث حمل مشروعا عربيا متكاملا، ولا أحد يشك فى أن الأمة العربية أمة قائمة، لكن لم تعِ هذه الأمة أنه قد نشأت داخلها حركات لا تؤمن بوجود كيان عربى شامل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved