مساعى بلينكن المركبة في الشرق الأوسط

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 7 فبراير 2023 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

قام وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن بجولة مكوكية ما بين مصر وإسرائيل ورام الله فى الضفة الغربية المحتلة فى الفترة من 29 ــ 31 يناير 2023. وتعددت أهداف جولة وزير الخارجية الأمريكى من السعى إلى وقف التصعيد وأعمال العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتناول تطورات العلاقات بين واشنطن وكل من القاهرة وتل أبيب ورام الله، والتشاور مع قادة هذه الدول بشأن الحرب الأوكرانية وتداعياتها وطلب المزيد من الدعم العسكرى والمادى والسياسى لأوكرانيا، والملف النووى الإيرانى وما وصل إليه من حالة جمود فى المفاوضات الإيرانية الأمريكية غير المباشرة، والأزمات العربية السورية، والليبية، واليمنية، والأوضاع فى السودان، وغيرها.
وإزاء تعقيدات الأزمات والأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، وارتفاع سقف المطالب سواء من جانب أطراف الصراع فى المنطقة، أو من جانب الإدارة الأمريكية التى تواجه مشكلات صعبة فى الداخل الأمريكى سواء الأزمة المالية الاقتصادية، أو المطالبة بمساءلة الرئيس بايدن عن حيازته وثائق ومستندات سرية منذ أن كان رئيسا للجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى، ثم وهو نائب للرئيس أوباما، إلى جانب المنافسة الصينية والانتشار الروسى خاصة فى أفريقيا، كل ذلك تطلب الإعداد الجيد لجولة بلينكن هذه المرة. فقد سبقه بزيارة العواصم الثلاثة على التوالى كل من مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان، ثم رئيس المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز، حيث تناولا نفس الموضوعات ونفس المطالب من كل الأطراف وقدما لبلينكن صورة واضحة عن ما هو مقبول وما هو مرفوض، وما هو مطلوب من قادة الدول الثلاث، ليكون تركيزه على ما تسعى إليه واشنطن من وراء هذه الجولة وما هو ممكن الاستجابة له أو إرجائه من مطالب هذه الدول.
• • •
وقد بدأ وزير الخارجية الأمريكى جولته يوم 29 يناير 2023 بالقاهرة، ونظرا لوجود الرئيس السيسى ووزير الخارجية سامح شكرى فى أرمينيا، فقد التقى بلينكن فى جلسة حوارية مع مجموعة من الشباب المصرى فى رحاب الجامعة الأمريكية، تناول معهم عدة قضايا وفى نهاية اللقاء أعرب عن تفاؤله بمستقبل العلاقات بينهم والولايات المتحدة.
والتقى بلينكن فى اليوم التالى مع الرئيس السيسى ووزير الخارجية سامح شكرى، حيث أكدت مصر أهمية العمل الفورى على المسارين السياسى والأمنى لتهدئة الأوضاع والحد من اتخاذ أى إجراءات أحادية من الطرفين (الإسرائيلى والفلسطينى)، وعلى موقف مصر الثابت بالتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حق الشعب الفلسطينى وفق المرجعيات الدولية ويفتح آفاق السلام والاستقرار والتعاون البناء، وضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن سد النهضة الإثيوبى يضمن حقوق مصر المشروعة فى مياه النيل. ومن جانبه أكد بلينكن على المشاركة الاستراتيجية الممتدة بين مصر والولايات المتحدة، ونوه بالمساعى المصرية الجارية لاحتواء التوتر المتصاعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين فى الأيام الماضية، وأكد على حل الدولتين. كما طلب من مصر القيام بإبلاغ موسكو رسالة أمريكية، كشف وزير خارجية روسيا عندما نقلها إليه وزير الخارجية المصرى من أنها تتلخص فى مطلب أن توقف روسيا عملياتها فى أوكرانيا وتدخل فى مفاوضات، واعتبر وزير الخارجية الروسى أنها ليست مبادرة لأنها لا تتضمن كل عناصر الأزمة الأوكرانية بحيث يمكن التفاوض عليها، ولم يتضح ما إذا كان الموقف الروسى يغلق الباب أمام واشنطن أم ثمة احتمال لأن تعاود واشنطن المحاولة بمقترحات تقبلها روسيا.
وتنقل بلينكن يوم 30 و31 يناير 2023 ما بين إسرائيل ورام الله. وقد التقى فى إسرائيل مع وزير الخارجية إيلى كوهين، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، وآخرين. ويلاحظ أن الإسرائيليين جعلوا الملف النووى الإيرانى أولوية فى المباحثات وأكدوا أن إسرائيل ستعمل كل ما فى وسعها لمنع إيران من تطوير سلاح نووى. واعتبر نتنياهو أنه تفوق على كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذين سبقوه بتوقيع أربع اتفاقيات سلام مع دول عربية مقابل اتفاقيتين فقط قبله. ونوه بأهمية متابعة التوسع فى الاتفاقات الإبراهيمية وأنه بعد حل الصراع مع الدول العربية يمكن التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، ونصح بلينكن بألا يهتم كثيرا بالقضية الفلسطينية ولا يشغل باله بها فى الوقت الراهن، ولا بالانتقادات فى الدول الغربية لخطة نتنياهو لإحداث تغيير جوهرى فى الجهاز القضائى الإسرائيلى.
وتحدث بلينكن وكوهين عن أهمية الدفع نحو إعلان دولى واسع لتصنيف الحرس الثورى الإيرانى منظمة إرهابية. وقال كوهين إن التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة من ركائز الأمن القومى لإسرائيل وعلاقاتها الخارجية. وقد بحث الجانبان الأمريكى والإسرائيلى ما قيل أنه نقل أسلحة تخزنها الولايات المتحدة فى إسرائيل إلى أوكرانيا، وهى حالة يصعب فيها التفرقة بين الأسلحة الأمريكية والأسلحة الإسرائيلية؛ حيث إنها كلها نوع واحد باختلاف مكان التصنيع الذى يمكن تغييره بسهولة بموافقة الطرف الأصلى وهو واشنطن. كما أشار نتنياهو فى إجابته على سؤال فى المؤتمر الصحفى المشترك مع بلينكن إلى أنه يمكن بحث إمداد أوكرانيا بنظام القبة الحديدية المعمول به فى إسرائيل، ويعد هذا التصريح من قبيل العلاقات العامة لأن نظام القبة الحديدية للتصدى للصواريخ هو أمريكى المنشأ، ولكى يصنع نظام مثيل يغطى مساحة أوكرانيا التى هى أكثر من 40 ضعف مساحة إسرائيل، فإنه يحتاج إلى وقت وأموال طائلة لا تقدر عليها إسرائيل إلا إذا ساعدتها واشنطن التى تمر بأزمة مالية هى الأخرى.
وأكد بلينكن على أهمية العمل على وقف التصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووصف عملية القدس التى قام بها فلسطينى بأنها عملية إرهابية، بينما أشار فقط إلى الضحايا الفلسطينيين دون ذكر لعملية الجيش الإسرائيلى فى جنين، وأدان الاحتفالات التى أقامها بعض الفلسطينيين عقب عملية القدس، وأكد على أهمية حل الدولتين وعدم التوسع فى المستوطنات أو القيام بأى عمل أحادى يعرقل حل الدولتين. وأبدى توافقا فى الرأى فى العمل مع إسرائيل لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووى.
وقد طلب الرئيس محمود عباس خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكى فى رام الله ضرورة الوقف الكامل للأعمال الإسرائيلية أحادية الجانب التى تنتهك الاتفاقيات الموقعة والقانون الدولى، وأبدى الاستعداد للعمل مع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولى لعودة الحوار السياسى من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لأرض دولة فلسطين على حدود 1967 بعاصمتها القدس الشرقية. وأن ما يحدث الآن تتحمل مسئوليته الحكومة الإسرائيلية الدينية وسياساتها المتطرفة. وطالب بوقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية بما فيها إلغاء العقوبات على السلطة الفلسطينية، ووقف اقتطاع أموال الضرائب، ووقف اقتحامات المناطق الفلسطينية، ووقف دفع خطط بناء استيطانى فى الضفة الغربية، وكبح جماح المستوطنين فى القدس والضفة الغربية، وإبقاء الوضع فى المسجد الأقصى دون أى تغييرات أو استفزازات. وانتقد الرئيس عباس الموقف الأمريكى المعارض لجهود الفلسطينيين فى الدفاع عن حقوقهم المشروعة فى المحافل والمحاكم الدولية، وعدم توفير الحماية للشعب الفلسطينى، وهو ما يشجع الاحتلال الإسرائيلى على ارتكاب مزيد من الجرائم وانتهاك القانون الدولى، فى الوقت الذى تتغاضى فيه واشنطن عن كل الانتهاكات الإسرائيلية. وطالب الرئيس عباس بإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن وفقا لما وعد به الرئيس بايدن منذ توليه الرئاسة.
وقدم بلينكن العزاء فى الضحايا الفلسطينيين خلال العام الماضى، وأشار إلى انعدام الأمن والخوف المتزايد بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء فى منازلهم وأماكن عبادتهم، وأن الفلسطينيين يواجهون «تضاؤلا فى آفاق الأمل»، وجدد التأكيد على معارضة حكومته لتوسع إسرائيل فى الاستيطان، وأنها تعارض أى إجراء من أى جانب من شأنه أن يزيد من صعوبة حل الدولتين، بما فى ذلك التوسع الاستيطانى، وعمليات الهدم والطرد من المنازل، وزعزعة الوضع التاريخى القائم بالأماكن المقدسة.
وقال بلينكن فى مؤتمر صحفى مع نتنياهو إنه يحث جميع الأطراف على اتخاذ خطوات عاجلة لاستعادة الهدوء، ونزع فتيل التصعيد، وأنه يريد أن يتأكد من وجود بيئة يمكن فيها، كما يأمل فى مرحلة ما، تهيئة الظروف للبدء فى استعادة الشعور بالأمن للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
وقد رد نتنياهو أثناء استقباله لرئيس تشاد فى إسرائيل بقوله أنه يختلف مع واشنطن من أن التوسع فى المستوطنات عقبة فى طريق السلام، وأنه يرى أنه بعد استكمال التطبيع مع الدول العربية يمكن بحث منح الفلسطينيين حكما ذاتيا. وذكر مسئول إسرائيلى أن من أهم بنود زيارة بلينكن لإسرائيل هو الإعداد لزيارة نتنياهو للولايات المتحدة ومقابلة الرئيس بايدن، والعمل على تجنب حدوث توتر كما كان فى عهد الرئيس أوباما بسبب اختلافات فى مواقف البلدين من قضايا الشرق الأوسط.
• • •
وثمة ملاحظات عامة على جولة وزير الخارجية الأمريكى، منها الاهتمام بالحصول على دعم وتأييد لأوكرانيا ودول حلف الناتو مع إبداء بوادر استعداد للتفاوض مع روسيا، وكانت الرسالة التى أبلغها وزير خارجية مصر سامح شكرى لروسيا مؤشرا أوليا على ذلك. والتوافق على قيام مصر بدورها المعتاد فى التهدئة بين إسرائيل والفلسطينيين. واكتفاء بلينكن بكلمات دبلوماسية عامة عن حل الدولتين دون أى خطة أو برنامج وأقصى ما يطمح إليه بلينكن من واقع تصريحاته هو عودة الهدوء بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولا ينتظر تحقيق أى تقدم على طريق حل الدولتين على ضوء تأكيد نتنياهو على أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون مجرد حكم ذاتى ولن يتم قبل التطبيع مع الدول العربية. ويشعر نتنياهو بالانتصار بإعادة تشاد فتح سفارتها فى تل أبيب، وزيارة وزير خارجية إسرائيل للخرطوم للاتفاق على التقدم فى عملية التطبيع، وذلك كله بعد يومين فقط من انتهاء جولة وزير الخارجية الأمريكى فى المنطقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved