ومتى ربيع الديمقراطية التشاركية؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 7 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

إذ كان شباب الثورات وحركات الربيع العربى قد بهر العالم بالأساليب التى ابتدعوها لإسقاط رموز وأنظمة الاستبداد فى الكثير من أقطار الوطن العربى فإن المرء يأمل أيضا فى أن يكملوا المشوار ويبدعوا فى تطوير عملية الإنقال إلى النظام الديمقراطى والذى نعنيه فى هذا القول؟

 

نعنى ألا تنحصر عملية الانتقال فى ما يعرف بالديمقراطية التمثيلية:

 

إجراء انتخابات نزيهة دورية لمجالس نيابية كاملة الصلاحيات فى التشريع والرقابة ومستقلة على الأخص عن السلطة التنفيذية. تلك الخطوة ضرورية ولكنها غير كافية. فالديمقراطية التمثيلية أثبتت عبر العالم كله أنها تحتوى على نقاط ضعف وتحتاج إلى ما يكملها.

 

ما يكملها هو ألا تكون مهمة ومسئولية مجموعة صغيرة من المواطنين الذين ينتخبون دوريا كل أربع سنوات. إنها تحتاج أن تكون مهمة ومسئولية كل مواطن. وفى الواقع فهكذا بدأت فى مهدها، فى أثينا اليونان. لم تكن هناك انتخابات ولكن كان هناك اختيار بالقرعة من بين كل المواطنين ليكونوا أعضاء فى اللجان التى كانت تدير أمور المدينة، أثينا. كان كل مواطن ينتظر منه تحمّل المسئولية والمشاركة.

 

•••

 

ما هو مطلوب إذن هو الديمقراطية التشاركية التى يساهم فى نشاطاتها كل مواطن وذلك بشتّى الصور وبمختلف المستويات. ذلك ان نجاح الديمقراطية لا يأتى من صندوق الاقتراع الانتخابى فقط وإنما يأتى من توفر الظروف المؤاتية التى تجعل ذلك النجاح ممكنا. تلك الظروف يخلقها المواطنون من خلال نشاطات فعّالة يقومون بها. كيف؟

 

بتشجيع وتعويد المواطن على الانخراط فى الحياة المدنية بشكل مستمر وفى سبيل تحقيق أهداف محلية أو قطاعية محدّدة. يحتاج المواطنون، وعلى الأخصّ الشباب منهم، أن تقوى فى داخلهم الإحساس بالحق الثابت بأن تكون لهم حقوق وأن تنمو فيهم شهيّة الصّراع من أجل تلك الحقوق. يحتاج المواطنون أن ينخرطوا فى معارك محلية فرعية تشمل فيما تشمل قضايا بيئية محلية أو دفاع عن كرامة وحقوق مجموعة محلية أو مطالبة بخدمات لسكناهم المحلى. ومن أجل أن ينجحوا لا بدّ من إقناعهم بممارسة سيادتهم وسيطرتهم على مركز كل قوة.

 

الشعار الذى يجب أن يقود المواطنين هو شعار يقال إنه مكتوب على لوحة يقرأها كل من يزور إقليم ثوار زاباتيستا المكسيكيين: «أنت تدخل إقيلم ثوار زاباتيستا حيث الشّعب يقود والحكومة تطيع».

 

إن هنالك العشرات من الكتب التى تصف أنواعا مبهرة وموحية من نشاطات قامت بها مجموعات محدودة من المواطنين، فى كثير من دول العالم فى الشمال والجنوب، من أجل إرغام الحكومات أو السلطات المحلية او الشركات على الانصياع لمطالب أولئك المواطنين. بعض هؤلاء المواطنون كانوا من الفلاّحين البسطاء وبعضهم كانوا من النساء الفقيرات، لكنهم جميعاَ مارسوا الديمقراطية التشاركية النضالية وتعلّموا من تجاربهم وإخفاقاتهم ونجاحاتهم. بأفعالهم تلك ساهموا فى خلق الظروف لإنجاح مسيرة الديمقراطية فى بلدانهم.

 

•••

 

ما يحتاج شباب الثورات والحركات أن يعده بعمق هو أن رفض العنف لا يعنى التخلّى عن الصّراع والمقاومة السلميين المستمرّين. وكذلك بأن الديمقراطية تقاس بمقدار الحرية التى تعطى لمخالفى النظام السياسى وليس بمقدار الحرية التى تعطى للمؤيدين. نحتاج جميعا أن نتذكر بأن نضال اللا عنف الذى نادى به الزعيم الروحى غاندى لم يمنع حركته من أن تقام بشدة وتخوض معارك الابتلاء بعزم الأبطال.

 

الرجوع إلى أساسيات الديمقراطية التى تقول بأن الديمقراطية هى شأن فرد وأنها لكى تنجح تحتاج لظروف تبنيها نضالات كل المواطنين بصورة مستمرة، وحتى يومية، هذا الرجوع التاريخى والفكرى يمكن بأن يكون فرصة أمام شباب الثورات العربية لكى يساهموا فى إبداع ديمقراطية أفضل من الديمقراطية الكسيحة العرجاء التى تمارسها كل جماعات العالم بنسب متفاوتة من عمى البصيرة والضحك على النفس، فالعالم كله يحتاج لبزوغ ديمقراطية جديدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved