الانفصال الاجتماعى

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 7 مارس 2017 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

قرأت منذ أيام نتائج دراسة أجراها أحد مراكز البحث الغربية مفادها أن الإفراط فى السباحة فى مواقع التواصل الاجتماعى تؤدى إلى العزلة والاكتئاب، وكما تشكل هذه المواقع نافذة يطل منها الشخص على العالم الافتراضى، فإنها تعزله عن العالم الفعلى، وتدفعه إلى التقوقع على الذات.

لا أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعى تعزل الشخص عن الواقع، ولكن بات المرء فى مجتمعنا يريد أن يترك الواقع بإرادته بحثا عن مجال آخر يستغرق فيه، يمضى فيه وقتا، يقتل به الوقت، يسبح فى مجال افتراضى لا يُذكره بالتحديات التى يعيشها. من اليسير أن ترى هذه الحالة فى كل مكان حولك فى مجتمع لا يكف فيه الناس عن الإمساك بالهاتف المحمول، يتطلعون فيه، ويتفاعلون مع غيرهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، أو الاستغراق فى ألعاب إلكترونية، أو الفرجة على مواقع الانترنت.

قد تسمع من يقول إن هذه هى سمة العصر. صحيح أن الامتزاج بين أدوات الاتصال والتواصل (المحمول مع الانترنت) منجز مهم فى هذا الزمن، لكن فضائله تكمن فى اتاحة المعلومات بشكل أفضل، تخطى حواجز المكان فى التواصل اللحظى بين الناس، التعبير عن الأفكار والمشاعر والاتجاهات الداخلية لكل مرء، وليس بناء أسوار العزلة بينه، وبين الواقع الذى يحيط به، والذى لا يزال رغم كل العوالم الافتراضية التى يمكن أن يلج فيها، يعيش الشخص فى الواقع الذى يحيط به من كل جانب، ولا يمكنه إلا التعامل معه.

أزمة كبيرة أن نلجأ إلى عالم افتراضى حتى نفر من عالم واقعى، والسبب أن الناس لا تعرف كيف تستمتع بالواقع الذى تعيشه. بات الانترنت فى أحيان كثيرة بمثابة مخدر إلكترونى، ترامادول افتراضى، ساحة تنفيس، مجال لاستنشاق هواء مغاير. أعرف أسرا بدأت تشكو أن أبناءها انفصلوا عن الواقع، ولم تعد الحياة بالنسبة لهم سوى شاشة يجلسون أمامها، أو يمسكونها فى أيديهم، بينما شواغل الحياة لم تعد فى مخيلتهم. وأعرف أيضا أسرا تشكو الزوجة بأن زوجها مستغرق فى «الشات» أو الحكايات والتواصل، أو التقليب فى مواقع الانترنت أو ارسال الرسائل المستمرة للأصدقاء، وبينما هو يجلس فى المنزل، لم يعد سوى كائن فى ركن من أركانه، وأبناؤه يجلسون فى أركان أخرى دون لغة حوار..

رأس المال الاجتماعى، أو علاقات التفاعل المبنية على الثقة والصراحة والحوار، لم تعد موجودة، وهناك تجريف شديد فى المجتمع يدفع المرء إلى الوحدة أو الانزواء الصامت فى ركن من أركان الحياة، يرافق ذلك أزمة اقتصادية واجتماعية تزيد من الانكماش الإنسانى للشخص، ويعيش فى حياة خاصة به، مغلقة على الذات.

مرة أخرى نكتشف ملاحظات من واقع المجتمع تشير إلى أن هناك مشكلات اجتماعية لا يدرسها الباحثون الاجتماعيون كما يجب، وظواهر يموج به الواقع لا تجد من يقف أمامها، ويقدم ملاحظات نقدية. الملفت أن الذين اخترعوا وسائل التواصل الاجتماعى، هم الذين الآن يدرسون نتائجها، سلبا وايجابا، بينما نحن نظل فى موقع الخمول الإنسانى، متلقين سلبيين.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved