تجديد الفكر الإسلامى بخصوص قضايا المرأة موقف تقدمى للأزهر

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 7 مارس 2020 - 8:55 م بتوقيت القاهرة


فى الجلسة الرابعة لمؤتمر الأزهر الشريف لتجديد الفكر الإسلامى تم مناقشة موضوع التجديد فى قضايا المرأة. جاءت الجلسة مفيدة ومشتبكة مع كل القضايا الحساسة المتعلقة بالمرأة وبمواقف تقدمية محترمة. تم التركيز فى هذه الجلسة على خمسة قضايا متعلقة بالمرأة وهى (١) قضية زواج القاصرات (٢) قضية سفر المرأة (٣) قضية زواج المرأة ودور الولى فى عقد إتمام هذا الزواج، (٤) قضية تولى المرأة لمناصب قيادية (٥) قضية العنف الأسرى.
ترأس الجلسة الدكتور محمد شهاب وزير الشئون الدينية السابق بدولة إندونيسيا، وأسهم فى مداخلات الجلسة الشيخة لبنى القاسمى الوزيرة السابقة للتسامح بدولة الإمارات العربية المتحدة، ود. نهلة الصعيدى عميد كلية العلوم الإسلامية الأزهرية للوافدين، بالإضافة إلى الشيخ أحمد بن سعود السيابى، أمين عام دار الإفتاء بسلطنة عمان.
***
فى المداخلة الأولى تحدثت الشيخة لبنى القاسمى عن الدور الذى قامت به دولة الإمارات فى النهوض بالمرأة باعتباره نموذجا للتجديد، فقد كانت الشيخة لبنى نفسها أول وزيرة فى الإمارات عام ٢٠٠٤ أما الآن فهناك ٩ وزيرات فى الحكومة الحالية بمعدل يقترب من ٣٠٪. كما كانت دولة الإمارات هى أول دولة عربية تنشأ مجلس وطنى للتوازن بين الجنسين والذى يقوم بالعديد من الأدوار للنهوض بوضع المرأة عن طريق اقتراح السياسات التى من شأنها أن تضيق الفجوة بين الجنسين فى مجال العمل والتعليم والمناصب القيادية السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى مراجعة التشريعات المتعلقة بالمرأة والعمل على اقتراح التشريعات التى تسعى إلى سد الفجوة وتحقيق التوازن بين الجنسين. تحدثت الشيخة لبنى أيضا عن عدد من التقارير الدولية التى جاءت فيها دولة الإمارات فى المركز الأول بخصوص بعض القضايا المتعلقة بالمرأة، مثل التقرير الذى صدر عام ٢٠١٥ ووضع الإمارات فى المركز الأول على رأس قائمة ضمت ١٣٢ دولة بخصوص مؤشر التقدم الاجتماعى.
تحدثت الشيخة لبنى أيضا عن تمكين دولة الإمارات للمرأة فى المناصب السياسية ومنها تولى امرأة رئاسة المجلس الوطنى (البرلمان) وتخصيص ٥٠٪ من المقاعد البرلمانية للمرأة الإماراتية بالإضافة إلى تبوأ المرأة الإماراتية لمناصب قضائية، مطالبة الدول الإسلامية باعتبار الإمارات نموذجا إسلاميا للتجديد وتمكين المرأة.
***
ثم تحدثت الدكتورة نهلة الصعيدى عن تلخيص مجموعة من الأوراق التى قدمها مجموعة من العلماء المسلمين لم تسمهم بخصوص العديد من قضايا المرأة وذلك على النحو التالى:
أولا: قضية زواج الطفلة الصغيرة، يرى جمهور الفقهاء أن للطفلة الصغيرة أن تتزوج، ولكن جاءت أوراق المؤتمر لترفض الأخذ برأى الجمهور وذلك بسبب اختلاف ظروف العصر خصوصا بعد أن أكد الأطباء المتخصصون أن البنت الصغيرة لا تحتمل الزواج قبل البلوغ، فضلا عن أن ظروف العصر لا تسمح للصغيرة بالقيام بالأعباء الزوجية.
لكن رأت الأوراق التى لخصتها الدكتورة نهلة أنه يجوز تزويج الصغيرة التى فقدت أهلها فى ظروف الحرب! والحقيقة فإننى أختلف تماما مع هذه النقطة وقد كنت شاهدا فى الفترة بين ٢٠١٢ و٢٠١٤ على بعض حالات الاستغلال التى تعرضت لها الفتيات الصغيرات السوريات والزواج ممن يكبرونهم سننا، ولا يمكن تصور أن علماء المسلمين لا يستطيعون تقديم العون للفتيات القاصرات التى فقدن أهلهن فى الحروب سوى عن طريق السماح لهن بالزواج وما قد يستدعيه ذلك من عمليات استغلال لا تخفى على أحد!
ثانيا: قضية إجبار المرأة على الزواج، وقد رفضت الأوراق المقدمة إجبار ولى الأمر للفتاة على الزواج ممن لا ترضاه، مؤكدة على أن الزواج باعتباره حياة مكتملة بين المرأة والرجل لا يتصور فيه إكراه أو ضغط من ولى الأمر. أعطت الأوراق للمرأة الحق فى رفض الزواج الذى يريده ولى الأمر ولا يعتبر ذلك من العقوق، كما أنها زادت بأن ولاية ولى الأمر قد تنزع منه حال ثبوت إكراهه للفتاة على الزواج ممن لا ترضاه وهو بكل تأكيد موقف تقدمى كبير من علماء الأزهر الشريف.
ثالثا: قضية سفر المرأة، وقد اتخذت الأوراق موقفا تقدميا أيضا مؤكدة على أن اشتراط المحرم كان لتكريم المرأة والخوف عليها لا تخوينها أو اتهامها، ولكن ولما تغيرت الظروف المعاصرة بحيث أن السفر الآن يتم بقطارات وطائرات من المطارات ومحطات القطار الممتلئة بالأمن بالإضافة لمئات إن لم يكن آلاف المسافرين الآخرين، كذلك فقد تعددت أسفار المرأة ومنهن من يتولى مناصب قيادية أو ممن يقدن الطائرات وما قد يصحبه ذلك من حرج حال اصطحاب المحرم ومن هنا خلصت الأوراق إلى جواز سفر المرأة دون محرم ولكن بشرط موافقة الزوج.
رابعا: فيما يتعلق بقضية تولى المرأة للوظائف العليا والقيادية، فقد أكدت الأوراق أنه لا حرمة فى تولى المرأة لهذه المناصب لأن الوظائف العليا لم تعد استبدادية كما كانت فى العصور القديمة كما أن هذه الوظائف أصبح لها توصيفات وقواعد وقيود، كذلك فقد أكدت الأوراق أن الواقع قد أثبت أن المرأة لا تقل كفاءة عن الرجل فى تولى مثل هذه الوظائف وصولا إلى منصب الرئاسة ومن هنا فلا يمكن منع المرأة من تولى هذه الوظائف العامة.
***
ثم جاء المتحدث الثالث الشيخ أحمد بن سعود السيابى والذى قدم بشكل سلس لقضية التجديد مؤكدا على ضرورة التفرقة بين النص الثابت وبين فهم البشر لهذا النص وهو فهم متغير بالضرورة، ومن هنا فالتجديد هو تحديث عملية فهم النصوص فى ضوء مستجدات العصر مؤكدا على اقتصار التجديد على العلماء المتخصصين الملمين باللغة العربية ونحوها وصرفها وكذلك المتخصصين فى علوم الشريعة الإسلامية.
ثم تحدث الشيخ السيابى بشكل أكثر سلاسة عن قضية العنف الأسرى، مؤكدا على ضرورة صبر الزوجين على بعضهما البعض ومكررا موقف الإسلام الرافض للعنف الأسرى، لكن يلاحظ أن الشيخ السيابى أنه لم يتحدث بوضوح أكبر عن قضية العنف ضد المرأة تحديدا ولم يتخذ موقفا صريحا من العنف ضد السيدات خصوصا أن شيخ الأزهر سبق وقال كلاما غير مشجع بخصوص هذه القضية وهو أمر أتمنى من الأزهر الشريف دراسته بعناية الفترة القادمة واتخاذ موقف واضح ومتقدم منه كما هو الحال فى قضايا باقى قضايا المرأة والتى يتخذ فيها الأزهر مواقف تقدمية محترمة.
***
اختتم الدكتور محمد الشهابى رئيس الجلسة بالتأكيد على عدم إمكانية نجاح الزواج دون التأكيد على تساوى الزوجين فى عدة أمور منها حق الحياة فالزوج والزوجة مخلوقا له الحياة وهو ما يعنى التساوى فى الحركة والشعور والمعرفة، وحق الإنسانية فلا يجب أن يشعر أحدهما أنه أعلى من الآخر وإلا حدث العنف الأسرى، وأخيرا فهم أيضا يستويان فى حب بعضهم للبعض ولا يمكن أن يتم قسر المرأة على الزواج لأنه لو حدث فلن تستقيم الحياة.
الحقيقة أن هذه الجلسة جاءت مفيدة وغنية وباستثناء التحفظ الوحيد الذى ذكرته، فإنى أتفق مع كل ما ورد فى الجلسة بخصوص القضايا المتنوعة للمرأة، فلا شك أن هذه الجلسة وأوراقها ومداخلتها هى عين التجديد والتحديث فى الفكر الإسلامى وهو أمر لابد أن أُحيى عليه علماء الأزهر الشريف وأطالبهم بالمزيد من الفهم والاستيعاب لتطورات العصر وضرورة إعادة فهم النصوص فى ضوء هذه التطورات.
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved