ما المفقود فى عملية إعادة ضبط العلاقات الأمريكية السعودية؟! الإجابة هى الشعب

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الأحد 7 مارس 2021 - 11:23 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجي مقالا للكاتبة ياسمين فاروق والكاتب أندرو ليبير يسلطان فيه الضوء على إهمال الحكومتين الأمريكية والسعودية للشعب السعودى والأمريكى فى العلاقة بينهما، ما أدى إلى انتشار نظريات المؤامرات والتفسيرات المغلوطة لدوافع سياسات كلا البلدين.. نعرض منه ما يلى.

رفع السرية عن تقرير مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية فى قضية مقتل الصحفى جمال خاشقچى أحدث قلقا، ليس فقط فى واشنطن بل أيضا فى الرياض. فقتله توج سلسلة سياسات سعودية مدمرة تصدرت عناوين الأخبار من الحرب فى اليمن واعتقالات فندق ريتزكارلتون فى 2017 وإعلان سعد الحريرى استقالته من الرياض فى نفس العام، وتصاعدت أصوات فى واشنطن تنادى بفرض عقوبات على ولى العهد السعودى كخطوة لإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.
***
على الرغم مما قد تمثله العقوبات من ردع قوى، إلا أن فرضها على ولى العهد لن يكون كافيا لإصلاح المشكلات المنهجية أو مراعاة القيم الأمريكية فى العلاقة بينهما. ما قد يحقق هذه الأهداف هو إصلاح العلاقة المشوهة بين حكومة كل دولة وشعب الدولة الآخر، فحاليا كلا الجانبين لا ينعمان بعلاقة جيدة مع الشعبين تعكس القيم الديمقراطية والليبرالية.
فعلى الرغم من التقارب الأمنى بين الدولتين، إلا أن جهود الدبلوماسية العامة وقعت على عاتق مئات السعوديين الذين يسافرون للولايات المتحدة طلبا للدراسة. وعلى الصعيد الآخر، لم يكن هناك جهد أمريكى ملحوظ للعمل مع الإعلام أو المجتمع السعودى لتجنب إغضاب الشركاء السعوديين أو الصدامات مع المجتمع السعودى المعادى الذى يقال عنه إنه معاد فى الأساس للولايات المتحدة. ولذلك كانت النتيجة ازدهار نظريات المؤامرة المعادية لأمريكا.
هذه المؤامرات تتوغل فى عالم تويتر السعودى، فالادعاءات بأن السعودية فى حرب وجودية مع الغرب أو أن التقرير عن مقتل خاشقچى يعكس تأثير الصراعات الداخلية فى الولايات المتحدة على العلاقات السعودية الأمريكية يأتى مع حملة واسعة على الإنترنت لتشويه التقرير ودعم القيادة السعودية.. قال خالد المالك ــ رئيس جمعية الصحفيين السعوديين ــ إن «هذه ليست الولايات المتحدة التى نعرفها»، لذلك ربما على الولايات المتحدة التساؤل «ما هى أمريكا التى يعرفها السعوديون؟».
***
الإرث المدمر للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط يتحدى حديث إدارة بايدن عن سياساتها تجاه المنطقة. فى انتقادهم للتقرير، ركز المسئولون السعوديون على الفجوة بين القيم والأفعال الأمريكية، ولكن النفاق الأمريكى ليس هو جوهر الحجة المضادة فى الرد على التقرير، بل «كراهية ولى العهد» و«ابتزاز المملكة» هى الحجج التى تكتسح وسائل الإعلام السعودية سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها لحشد الرأى العام السعودى حول ولى العهد.
إذا أرادت إدارة بايدن عن حق أن تعيد رسم شكل علاقتها مع السعودية، فيجب أن تصل إلى الشعب السعودى، ليس فقط لشرح سياساتها الراهنة تجاه السعودية، ولكن أيضا لتحمل المسئولية عن السياسات الأخرى التى تتعارض معها. سماح السعودية بوجود مكتب للمعهد الديمقراطى الوطنى أو المعهد الجمهورى الدولى على أراضيها ربما يكون من المستحيلات، ولكن السفارة الأمريكية فى الرياض يمكن أن تبدأ بشن برامج معتدلة لشرح السياسات والقيم الأمريكية ونظامها السياسى للعامة. وزارة الخارجية لم تبذل جهدا يذكر فى شرح التقرير للعامة، وعلى سبيل المثال لم تذكر حسابات السفارة أو القنصلية الأمريكية على تويتر أى شيء عن خاشقچى منذ نوفمبر 2018، ولا تذكر مواقعهم الرسمية على الإنترنت أى شيء عن التقرير.
حاولت الولايات المتحدة من خلال ذلك عدم تهديد أولوياتها الأمنية مع المملكة وإرضاء الكونجرس والرأى العام الأمريكى، ولكنها لم تكترث بتأثيره السام داخل المملكة. لم نر أى نوع من الرسائل الإبداعية التى استخدمتها السفارات الأمريكية فى دول وسياقات أخرى. لا يجب أن يكون الهدف الدفاع عن السياسات الأمريكية، بل التصدى للمعلومات المغلوطة عن الدوافع وراء تلك السياسات.
***
الكثير من السعوديين يشعرون أنه لا يتم إنصاف دولتهم فى المحادثات العامة. وبالتالى فإن من مهمة السلطات السعودية الوصول إلى الرأى العام الأمريكى لشرح سياساتهم. من المسلم به فى أروقة الحكم السعودية الاعتقاد بأن الحملات الرئاسية الأمريكية لابد أن تنتقد السعودية، والاعتقاد أيضا أنه من الأفضل الدفع لشركات اللوبى والعلاقات العامة الأمريكية لشرح السياسات السعودية بدلا من حمل السعوديين أنفسهم هذه المهمة. اقتصرت محاولات السفارة السعودية على إجراء محادثات فى الإعلام الأمريكى تم ترتيبها من قبل شركات العلاقات العامة الأمريكية وتتماشى مع النقاط التى يركز عليها الحديث الرسمى السعودى. هذا النهج فى الواقع يتعارض مع الاتجاهات القومية التى تطالب المواطنين السعوديين بخدمة بلدهم أو التى تؤكد على أن السعوديين سعداء بالدفاع عن المملكة من الأعداء والخصوم.
الانفتاح السعودى على العالم يمثل جزءا من رؤية ولى العهد السعودى لعام 2030؛ للحد من اعتماد السعودية على النفط وتحقيق التنوع الاقتصادى. هذا الانفتاح لابد أن يشمل التفاعل السياسى وخوض نقاشات مع الحكومة الأمريكية ومنظمات المجتمع المدنى فى الولايات المتحدة والمملكة. إعطاء تسهيلات للصحفيين والمتخصصين فى الشأن السعودى ستكون خطوة إيجابية، وتشجيع السعودية طلابها بالخارج للدخول فى نقاشات حول سياسات دولتهم مع زملائهم الأمريكيين ستكون أيضا كذلك. وحتى ينجح ذلك، لا يجب مراقبة أو معاقبة السعوديين بسبب آرائهم، سواء من قبل الولايات المتحدة أو السعودية.
***
يصادف هذا العام الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، التى سممت العلاقات بين البلدين وأطلقت سلسلة من المؤامرات لم تنته تتهم فيها كل دولة الأخرى بأنها كانت هى من وراء الهجوم.
لا ينبغى ترك المواطنين الأمريكيين مع رؤية مشوهة للشعب السعودى بناءً على تصرفات الحكومة السعودية. ولا ينبغى أن تكون علاقات أمريكا مع شريك أمنى وثيق رهينة لنظريات المؤامرة التى تحمّل الولايات المتحدة المسئولية عن المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى لا نهاية لها.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved