عشاء أفريقى للإخوان المسلمين فى واشنطن

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 8 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كان آخر ما جاء فى جدول الوفد الزائر لواشنطن من حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسى لجماعة الإخوان المسلمين) الأسبوع الماضى عشاء فى بيت سفير. ولم يكن السفير ممثلا لإحدى الدول العربية أو حتى أيا من دول منظمة المؤتمر الإسلامى السبع والخمسين. ونظرا لاشتراك السفير معى فى معرفة باحثة أمريكية مرموقة، فقد تمت دعوتى لحضور هذا العشاء، بعدما طلب منها السفير ترشيح مصرى أو مصرية من المقيمين فى العاصمة الأمريكية للحضور.

 

وبمجرد دخولك إلى مقر إقامة سفير دولة جنوب أفريقيا السيد «إبراهيم رسول» الواقع فى أحد أرقى مناطق العاصمة، ورغم فخامة المقر المتوقعة، إلا أنك تشعر بدفء غير متوفر عادة فى أغلب المقار الدبلوماسية فى واشنطن. وعلى عكس التقاليد البالية التى مازال يتمسك بها دبلوماسيو العالم الثالث، كان العشاء شديد البساطة والجمال يجعلك تشعر معه أنك فى بيت أحد الأصدقاء المقربين، وينسيك إنك تحضر عشاء عمل أو حفل استقبال مهم.

 

وكان مجرد استضافة سفير جنوب أفريقيا للوفد المصرى يمثل لى علامة استفهام، إلا أن كل أسباب التساؤل توارت بمجرد تحدثه عن معرفته القوية بالحزب وقيادته، وتفاصيل زيارته لمصر فى يناير الماضى لتهنئة حزب الحرية والعدالة على الفوز الكبير فى الانتخابات البرلمانية كمبعوث الرئيس الجنوب أفريقى للعالم الإسلامى. وقبل ذلك صعد السفير رسول سياسيا من خلال عضويته النشطة فى حزب المؤتمر الأفريقى حتى وصل لمنصب محافظ محافظة ويسترن كيب. وشارك كذلك فى الكفاح ضد إنهاء سياسة الفصل العنصرى ( الأبارتيد) منذ كان طالبا مدرسيا.

 

ولأهمية اللقاء، ولكونى المصرى الوحيد ــ إضافة لأعضاء الوفد ــ تابعت مستمتعا تفاعلات أعضاء الوفد المصرى مع الحاضرين من قيادات الجالية المسلمة فى الولايات المتحدة، وبعض العاملين فى الكونجرس، إضافة لشخصيات واشنطونية مهمة.

 

وخلال لقاءات أعضاء وفد حزب الحرية والعدالة المتعددة فى واشنطن، كانت إحدى النقاط التى يتم التشديد عليها هى أن الحزب يقوم بدراسة تجربة جنوب أفريقيا فى إجراء المصالحة الوطنية، من أجل الاستفادة بها وتطبيق بعض بنودها على الحالة المصرية.

 

وأكد السفير رسول أن فوز حزب الحرية والعدالة وحصوله على ثقة الشعب المصرى يضع على عاتقه مسئولية كبيرة فى ضرورة إنجاح عملية التطور الديمقراطى فى مصر. وتحدث تفصيليا عن تجربة جنوب أفريقيا وكيف يمكن أن تخدم التحول الديمقراطى، ومؤكدا على أهمية البعد الاقتصادى والاجتماعى فى هذا التحول. ومنذ بدأ عمله سفيرا لبلاده فى يوليه عام 2010 ذاع اسمه وارتفعت أسهمه فى مجال حوار الأديان وصراع الحضارات، لذا نجده يحاضر كثيرا فى كنائس المسيحيين، ومعابد اليهود، ومساجد المسلمين.

 

وأسس السفير رسول كذلك لبرنامج يعرف «بدبلوماسية يوبنتو»، من خلال الاستفادة من تجارب نموذج جنوب أفريقيا للمصالحة فى تحسين أسس التعايش المشترك داخل الدول، وفى تطوير علاقات المسلمين بالمسيحيين، وعلاقات الشرق بالغرب.

 

فخلال انتقال جمهورية جنوب أفريقيا من الدولة العنصرية إلى دولة المساواة فى الحقوق السياسية على أساس صوت واحد لكل فرد بغض النظر عن لونه، لم يتم إراقة أى قطرة دم. نعم لم يحدث الانتقال السلمى بين ليلة وضحاها، ولم يحدث كذلك نتيجة ضغوط على القوى السياسية المختلفة، وإنما حدث نتيجة اقتناعها بعدم توافر بديل أفضل لحل تلك الأزمة الوطنية المهمة.

 

ويسكن جنوب أفريقيا حوالى 50 مليون نسمة، ويعتبر مجتمعها متعدد الأعراق والثقافات، إذ يوجد السكان السود بنسبة 80% تقريبا، والبيض بنسبة 10%، والباقون من الهنود والملونين.

 

ولم يخطر على بال السكان البيض فى جنوب أفريقيا أن تسلم السلطة السياسية للأغلبية الأفريقية السوداء عندما قرروا الدخول فى المصالحة التاريخية، كذلك لم يخطر نفس الشىء على بال ممثلى حركة التحرر الأفريقية.

 

إلا أن الجميع واجه معضلة كبيرة، وهى كيف يتم التعامل مع جرائم الماضى؟ واستدعى ذلك أن يقرر الزعيم العظيم نيلسون مانديلا إقامة لجنة الحقيقة والمصالحة بموجب قانون تعزيز الوحدة والمصالحة الوطنية عام 1995، وكانت اللجنة تتمتع بصلاحيات واسعة. وكانت عبارة عن هيئة لاستعادة العدالة على شكل محكمة وبموجبها فإن الشهود الذين كانوا ضحايا لانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان تمت دعوتهم للإدلاء بشهاداتهم حول تجاربهم. واختير بعضهم لجلسات عامة علنية، وفى نفس الوقت فان مرتكبى أعمال العنف ضدهم كان بإمكانهم الإدلاء بشهاداتهم وطلب العفو من الملاحقة المدنية والجنائية. وكان من سلطات المحكمة أيضا منح عفو للمتهمين الذين يثبت عدم ارتكابهم جنايات وتحديد موعد منح الأهلية السياسية التى تتيح للمتهم مزاولة حقوقه السياسية. وكان من سلطات اللجنة التى ترأسها كبير أساقفة البلاد القس ديزموند توتو (حصل على جائزة نوبل للسلام بعد ذلك) منح التعويضات للضحايا أو ورثتهم، كما اعتمدت تصور العفو المشروط أو الجزئى كسبيل لتحقيق العدالة بدلا عن العدالة العقابية. وعوضا عن تقديم المنتهكين لحقوق الإنسان إلى المحاكم اعتمدت اللجنة جلبهم للاعتراف بأخطائهم وطلب الصفح ممن ألحقوا بهم الأذى.

 

وحقق عمل اللجنة نجاحا واسعا لأنه أعاد اللحمة للشعب الجنوب أفريقى ويسر له سبل التقدم مما جعل جنوب أفريقيا اليوم تتربع على العرش الاقتصادى والسياسى لأفريقيا. وهو ما دعا دول «البريك» الأربع، الصين والهند وروسيا والبرازيل إلى دعوة جنوب أفريقيا للانضمام إليهم.

 

من ناحية أخرى، ورغم أن تعداد المسلمين فى دولة جنوب أفريقيا يقل عن مليون شخص من إجمالى عدد سكان يزيد على 50 مليون نسمة، وهو ما يمثل نسبة تقل عن 2% من السكان، إلا أن الرئيس جاكوب زوما أختار شخصا مسلما شديد الالتزام بتعاليم دينه الحنيف سفيرا فى أهم عواصم العالم لدولة تقترب نسبة المسيحيين فيها من 80%.

 

هكذا توفر تجربة وخبرة جنوب أفريقيا نموذجا سياسيا واقتصاديا جذابا لمصر. إلا أنه وقبل النظر لهذه الخبرات علينا الاستفادة والتذكير بمقولة خالدة للمناضل الأفريقى العظيم نيلسون مانديلا، وبدونها ما كان لهذه الدول الأفريقية أن تقوم لها قائمة. قال مانديلا «الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرا أو لا يكون حرا».

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved