بوش الرسام

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الإثنين 7 أبريل 2014 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

لم أستطع إخفاء دهشتى من الخبر الذى تناقلته وكالات الأنباء حول إقامة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش معرضا للوحاته بمكتبته بدالاس، فى ولاية تكساس.

دهشتى لم تكن بالطبع اعتراضا على أن بوش اكتشف فجأة موهبته فى الرسم، ولكن لأننى لم أتخيل يوما أن الرئيس الأمريكى السابق، الذى حاك الكثير من المؤامرات وشن العديد من الحروب، لإزاحة أعدائه يمكن أن يملأ وجدانه يوما ما أحاسيس ومشاعر فنان.

كثير من الأفلام السينمائية التى تعرضت لفترة حكمه (2001 ــ 2009) تناولت غطرسته وتهوره، وإصراره على قرارات شريرة نتج عنها كثير من الضحايا، ليس فقط لقادة وزعماء، ولكن لمجتمعات وشعوب أيضا.. أبناء وطنه من النجوم والفنانين كانوا يؤمنون بأن رئيس دولة الديمقراطية أبعد ما يكون عن تلك الديمقراطية، وأن تحركاته كانت بغريزة المصالح والانتقام مثلما قال جورج كلونى.

فيلم «المنطقة الخضراء» لمات ديمون، على سبيل المثال، كشف وجها انتهازيا قبيحا لبوش بإصراره على خوض حرب العراق، رغم تأكده من عدم وجود أسلحة دمار شامل، فاقتحم جيش بوش الابن بلاد الرافدين وحطموا الآثار والمتاحف ونهبوا وثائقها.

وفى أفلام أخرى كشفت سياسة بوش ضد مصالح الشعب الفلسطينى حق مواطنه فى وطنه، ولم ننس المخرج مايكل مور الذى حطم منظومة أخلاقيات بوش المزيفة فى فيلمه «فهرنهايت 9/11»، بينما جاء الفيلم الوثائقى «العالم كما يراه بوش» للفرنسى وليم كاريل ليؤكد تحالف عقدة آل بوش مع الشيطان نفسه فى غاية شريرة لا تريد الخير للعالم، بل تريد امتلاك السطوة وممارسة القوة لفرض الآراء، والأفكار، والسياسات بالقوة.

وذهب الفيلم إلى محاكمة آل بوش ليس فقط الأب والابن، بل محاكمة الجد بريسكوت بوش الذى جمع ثروته من إدارة شركات نازية التوجه بعد صعود هتلر إلى السلطة، ومن ثم تمت مصادرة ثرواته بتهمة التعاون مع العدو كما يقول الفيلم.

بوش الابن بمعرضه ولوحاته أراد أن «يرسم» من جديد على العالم ويقدم صورة لإنسان مختلف يمحو بها خطايا 8 سنوات ضد الإنسانية، هو نفسه قال «أرسم كثيرا لأننى أسعى للنجاح»، ترى أى نجاح ينشده؟!

إنه يريد الآن ان يرسم زعماء ورؤساء العالم على هواه كما كان يفعل وهو فى خضم السلطة، حيث كان يحرك الكثير بإصبعه كما يشاء مثلما فعل مع تونى بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق مثلا، وكذلك الرئيس الفرنسى الأسبق.

وبالنظر للوحات التى رسمها بوش نجد أنها لـ24 من رؤساء وزعماء سياسيين التقاهم عندما كان فى الرئاسة وتلاعب بعقول أغلبهم، والآن تلاعب بصورهم وأشكالهم.

وقد تساءلت لماذا لم يكن من بين لوحاته بورتريه لمواطن عادى.. أو حتى لمنظر طبيعى، اكتفى بوش برسم بورتريهات لميركل والدلاى لاما وبرفيز مشرف، وبوتين وكرزاى.. ترى ماذا يكمن فى داخله تجاه هذه الشخصيات الآن.. هل هى رسالة غفران واعتزار لما فعله بعقولهم.. أم يتمنى أن يعود إليهم ليواصل رسم خططه للعالم كما يريده من جديد! إن عصر الرسم على البشر مازال مستمرا حتى لو كان فى الأحلام أو على الورق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved