عودة إلى اتفاق سد النهضة

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 7 أبريل 2015 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

تعمدت التريث فى التعليق على الاتفاق الثلاثى بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، لخطورة الموضوع من جهة، ولأهمية تناوله بهدوء وبعيدا عن الصخب الإعلامى الذى صاحب توقيع الاتفاق من أجل تصويره على أنه انتصار حاسم لمصر فى معركة النيل، أو الصخب المماثل على الصفحات الالكترونية للتأكيد على أنه هزيمة منكرة وتفريط فى مستقبل البلد.

وفى تقديرى أن الاتفاق ليس انتصارا فى حد ذاته ولا هزيمة، بل خطوة ضرورية للانتقال بقضية النيل من حالة الشعارات والتهديدات و«التسخين» الجماهيرى دون خطة واضحة، إلى حالة جديدة من الواقعية والعملية تستهدف الوصول لأفضل البدائل المتاحة. من هذا المنطلق فإن الاتفاق يعبر، من حيث المبدأ، عن توجه سليم كان ينبغى على مصر أن تأخذه منذ فترة طويلة، وأقصد بذلك مسار التعاون مع الدول الشريكة فى مياه النيل والاعتراف بأن لها جميعا حقوقا لا يمكن إنكارها أو تجاهلها والبحث عن حل توافقى متوازن ومنصف لكل الأطراف.

مع ذلك، ومع اقتناعى بالتوجه العام الذى عبر عنه الاتفاق الثلاثى، إلا أن لدى ملاحظتين على الموضوع، واحدة تتعلق بمضمون الاتفاق، والثانية بعلاقته بالسياسة الزراعية مستقبلا:

من حيث المضمون فإن الاتفاق، مهما حاول البعض تصويره على غير ذلك، يعنى واقعيا قبول مصر لمشروع سد النهضة واعترافها بحق اثيوبيا فى الاستفادة به ليس فقط فى توليد الكهرباء وانما ــ وفقا لنص المبدأ الثانى من الاتفاق ــ فى جميع مجالات التنمية الاقتصادية، بما فيها الزراعة. ومعنى ذلك أن مصر قد تنازلت ضمنيا عن مرجعية الاتفاقات السابقة وقبلت فتح باب التفاوض على ما كان ثابتا من قبل، وهذه نقطة لن يمكن التراجع عنها مستقبلا، مع ضرورة تقدير أن هذه الاتفاقات قد أبرمت فى ظروف لم تعد متوافرة الإنفاق بعد أن نالت الدول الافريقية حريتها واستقلالها. كذلك فإن الاتفاق قد منح اثيوبيا شرعية فى استكمال بناء السد والبحث عن مصادر تمويله من المؤسسات والبنوك الدولية التى كانت محجمة عن ذلك حتى يكون هناك توافق بين الأطراف المعنية. اثيوبيا إذن استفادت من الاتفاقية استفادة مطلقة، دون أن يكون ما حصلت عليه مصر فى المقابل واضحا. إن كان مجرد العودة للساحة الأفريقية فإنه يكون مقابلا زهيدا، وكان يلزم أن تستغل مصر كونها تقدم لإثيوبيا كل ما تتمناه، لكى تحصل على ضمانات وتعهدات محددة وقابلة للقياس والمتابعة بشأن ارتفاع السد، وسعته، والمدة التى يستغرقها ملء البحيرة وراءه، وطبيعة استخداماته، واحتمالات بناء سدود أخرى مستقبلا. مصر حققت بهذا الاتفاق مكسبا سياسيا، على الساحتين الافريقية والدولية، وفتحت بابا جديدا للتعاون الإقليمى، ولكنها فى الموضوع ذاته لم تأخذ حتى الآن سوى وعود ونوايا حسنة دون ضمانات واضحة. واقتراحى أن تسارع الدولة بالحصول على هذه الضمانات بشكل رسمى وبرعاية دولية بينما الفرصة متاحة بدلا من انتظار تشكيل لجان فنية قد يستغرق عملها شهورا طويلة، يكون الأمر الواقع بعدها قد استقر ولم يعد من الممكن تداركه.

أما من حيث السياسة الزراعية مستقبلا، فإن الاتفاق يعبر عن حقيقة أن مصر، فى كل الأحوال، وبسبب الزيادة السكانية، وتغير نمط الاستهلاك المحلى، واحتياجات التنمية الاقتصادية والصناعية، والتزامها الدولى بالتعاون مع دول حوض النيل فى توزيع حصص المياه، تواجه مستقبلا سوف يكون فيه الماء موردا شحيحا حتى ولو احتفظت مصر بحصتها من النيل المنصوص عليها فى الاتفاقات المبرمة فى القرن الماضى. ولذلك فإن الاهتمام بسد النهضة وما يترتب عليه من نقص فى حصة مصر المائية أو على أفضل تقدير تراجع مؤقت لهذه الحصة خلال سنوات ملء الخزان، لا ينبغى أن يكون الموضوع الوحيد الذى يشغلنا، بل هناك وجه آخر لذات القضية، وهو مستقبل السياسة الزراعية والمائية فى مصر. فالدولة أعلنت عن برنامج قومى لاستصلاح أربعة ملايين فدان جديد، مليون منها هذا العام وحده. ولكن حتى لو كان هذا البرنامج يعتمد على موارد مائية جوفية لم تستغل من قبل، فإن الضرورة تقتضى ألا يكون هذا التوسع الزراعى منفصلا عن إعادة النظر فى السياسة الزراعية والمائية برمتها، بما فيها سياسات ترشيد استخدام المياه بشكل جذرى، وتسعيرها، وتغيير نمط وأساليب الرى، والاستثمار فى البنية التحتية لذلك، وإعادة النظر فى التركيب المحصولى للبلد، وتسعير المحاصيل، وحساب الدعم الضمنى الذى يتم تصديره فى المنتجات الزراعية. التوسع الزراعى هدف قومى عظيم، ولكن يجب أن يكون فى إطار رؤية أكثر اتساعا تأخذ فى اعتبارها ان المياه صارت عنصرا شحيحا. وأقترح أن نبدأ بالاتفاق على أن الأمن القومى المائى لا يقتصر على ضمان حصولنا على حصة كافية من مياه النيل فقط، بل يشمل، وبذات القدر من الأهمية والخطورة، ترشيد استخداماتنا للموارد الحالية وإعادة رسم سياسة مصر الزراعية والمائية على هذا الأساس.

قرار فتح صفحة جديدة مع إثيوبيا ومع القارة الافريقية، وانتهاج سبيل التعاون بدلا من الصدام فيما يتعلق بمياه النيل هو القرار الصائب، ولكن يلزم أن يصاحبه ضمانات قانونية وملزمة من الآن للحفاظ على حقوق مصر، كما يجب أن يصاحبه وضع سياسة زراعية ومائية شاملة تتعامل مع واقع مائى جديد لا يمكن تجاهله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved