هل انكسر عزم الأهالى؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الجمعة 7 أبريل 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

فى أعقاب كارثة غارات الغاز السام التى ضربت ريف إدلب، حفلت وسائل الإعلام بالتصريحات والتعليقات التى انتقدت فشل المجتمع الدولى فى التعامل مع الأزمة السورية، كما صوَّب البعض سهام الاتهام نحو إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما. وذلك صحيح لا ريب، لكن الأصح أن الفشل الأكبر من نصيب العالم العربى الذى تنتمى إليه سوريا. وإذ لم أستغرب أن يتجاهل المعلقون الغربيون دور العالم العربى. لأنه بالفعل غائب ولا حضور له يستحق الذكر، إلا أن ما يبدو غريبا ومدهشا أن تتبنى التصريحات والتعليقات العربية الموقف ذاته، وتتصرف كأن العالم العربى صار ميئوسا منه، فتحول إلى جثة هامدة، لا ينتظر منها فعل ولا يرجى خير، وهو اعتراف ضمنى يضاعف من الشعور بالفجيعة والخزى.

بطبيعة الحال فليست الكارثة السورية هى النموذج الوحيد، لأن الكارثة اليمنية نموذج آخر، إذ يعانى ذلك البلد العريق من الدمار والمجاعة والكوليرا ولا أحد فى العالم العربى يأبه به والحاصل فى ليبيا لا يقل فداحة إذ وصل الاقتتال الأهلى إلى مرحلة العبث، حتى قرأت أن إيطاليا دخلت على الخط ورتبت اتفاق سلام ومصالحة بين ٦٠ قبيلة منخرطة فى الصراع (جريدة «الشروق» ٣/٤)، ولن أضيف شيئا إلى ما هو معلوم عن العراق، الذى تمزق وغرق فى الدماء حتى صار القتل طقسا يوميا وجزءا من الحياة العادية.

للهوان أشكال أخرى أبرزها استباحة التدخلات الأجنبية للفضاء العربى أرضه وبحره وسمائه، حتى صار لكل من هب ودب من أهل العافية موطئ قدم فيه، والأنكى من ذلك والأفدح هو الانبطاح فى مواجهة إسرائيل، والاحتشاد الحاصل لتجهيز المسرح للصراع بين الشيعة والسنة الذى اصطفت فيه إسرائيل لصالح أهل السنة بدعوى حمايتهم من «العدو» الشيعى.

لست فى وارد رصد أوجه بؤس العالم العربى (لاحظ أننى لم أتحدث عن إرهاب داعش وجرائمها لأننى أزعم أنها بمثابة كابوس لا مستقبل له، فضلا عن أن ما ذكرته أشد خطرا وأفدح).

إذ صار الغياب العربى معلوما من السياسة بالضرورة، إلا أننى أدعو إلى التفرقة بين الأنظمة والشعوب. أزعم فى هذا الصدد أن الشعوب مظلومة ومغلوبة على أمرها، بل أنها ضحية لها. لذلك طالما تحفظت على مقولة «العرب ظاهرة صوتية»، وأعتبر أنها تصم العرب بما ليس فيهم بالضرورة وتدمغهم بجرائم الأنظمة التى تحكمهم.

بكلام آخر فإننى أحد الذين فقدوا الثقة فى الأنظمة، وأراهن ولايزال لدى بعض الأمل فى الشعوب العربية. لذلك فإننى إذا لم أستغرب تعويل المسئولين على المجتمع الدولى والنفوذ الأمريكى فى حل مشاكل الأمة (من فلسطين فنازلا)، فإن ما يقلقنى حقا هو سكون الجماهير العربية وغياب صوتها. أفهم أن غياب الديمقراطية أدى إلى تخريب النخب وإضعاف المجتمعات وترهيب الجماهير. إلا أن انتفاضة الجماهير فى عام ٢٠١١، التونسية والمصرية والمغربية والسورية واليمينية والليبية كان بمثابة إعلان عن أنها لم تمت ولاتزال فيها بقية من حياة. وأخشى ما أخشاه أن يكون الجهد الهائل الذى بذل لإفشال حركة الجماهير بقمعها وترويعها قد أصابها بالوهن المفضى إلى اليأس والانكفاء على الذات.

فى هذا الصدد يلح على استحضار مقارنة موقف المصريين إزاء احتلال الفرنسيين لبلادهم فى عام ١٧٩٨ باحتلال الإنجليز الذى تم فى عام ١٨٨٢. إذ فى الحالة الأولى انتفض المصريون فى مواجهة الفرنسيين الغزاة حتى اضطروهم إلى مغادرة البلاد بعد ثلاث سنوات. وفى الحالة الثانية نجح الإنجليز فى التغلب على مقاومة المصريين حتى وصلوا من الإسكندرية إلى القاهرة، واستمر احتلالهم لمصر ٧١ عاما.

للإمام محمد عبده (١٨٤٩ ــ ١٩٠٥) مقولة يمكن أن تسهم فى تفسير المفارقة. قال فيها إن محمد على باشا حين حكم مصر (من عام ١٨٠٥ إلى ١٨٤٨)، فإنه إلى جانب إصلاحاته الكبرى، فإن بطشه وقهره للناس «كسر عزم الأهالى فضاع منهم معنى الرجولة» ــ وهى مقولة يتعذر تعميمها بطبيعة الحال، إلا أنها تدعونا إلى التساؤل عن الدور الذى قام به الاستبداد فى إشاعة الوهن والنيل من العزائم فى العالم العربى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved