السيناريو الذى ستلجأ إليه إثيوبيا

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 7 أبريل 2021 - 8:15 م بتوقيت القاهرة


سمعنا لغة إثيوبية عنترية فجة وجوفاء لا تتناسب مع الواقع إطلاقا تجاه مصر طوال السنوات الماضية.
والسؤال المهم: كيف ستتصرف إثيوبيا بعد الخط الأحمر، الذى أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى من مقر قناة السويس بالإسماعيلية يوم الثلاثاء قبل الماضى، وقال فيه بوضوح إنه « لا أحد يستطيع أن يأخذ نقطة مياه واحدة من مصر، ولا أحد يتخيل أنه بعيد عن قدرة مصر. وإن المساس بالمياه خط أحمر، وسيعرض المنطقة لحالة من عدم الاستقرار».
هذا الخط الأحمر كرره السيسى أمس خلال افتتاح مجمع اصدار الوثائق المؤمنة أحد.
السيناريو الأول هو أن تعلن إثيوبيا أنها لن تضر بحقوق مصر والسودان المائية، وأنها منفتحة على المفاوضات التى يرعاها الاتحاد الافريقى، وفى نفس الوقت تصر على إكمال الملء الثانى لسد النهضة، حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق قانونى وملزم.
هذا السيناريو، أعلنته إثيوبيا بالفعل، ورفضت خلاله أى تأجيل للملء الثانى بحجة أنه يجعلها تخسر ٢ مليار دولار.
وأغلب الظن أن إثيوبيا ستكون حريصة جدا وهى تنفذ الملء الثانى على عدم تأثر حصة مصر من المياه هذا العام، حتى تقول للعالم كله: نحن نفذنا الملء، وفى نفس الوقت لم تتأثر حصص مصر والسودان. وسيكون من حسن حظ إثيوبيا أن يأتى إيراد النيل عاليا هذا العام، مثلما كان العام الماضى، بحيث إنه أدى إلى فيضانات كثيرة فى السودان.
السيناريو الثانى، هو التصعيد وهو ليس مستبعدا بل هو مفيد جدا لآبى أحمد لتوحيد الجبهة الإثيوبية الداخلية شديدة الهشاشة، والتى زادت فى الشهور الأخيرة بعد حرب آبى أحمد وجماعته العرقية الأورومو، ومعهم الأمهرة وإريتريا، ضد عرقية التيجراى.
هذه الحرب الأهلية تركت ندوبا وجروحا وتشوهات فى هذا البلد، يصعب أن تلتئم بسهولة، بل المرجح هو حرب عصابات مستمرة اعترف بها أحمد قبل أيام.
المجتمع الإثيوبى يعانى مشاكل اجتماعية واثنية وسياسية واقتصادية كثيرة جدا، والعلاقات بين عرقياته شديدة التوتر والتوجس والريبة، ورأينا كيف تحالف كثيرون ضد التيجراى، للانتقام من تفردهم بالسلطة منذ إطاحة نظام منجستو هايلى ماريام الماركسى أوائل التسعينيات من القرن الماضى.
أحمد يراهن على أن أى مواجهة مع مصر تعنى توحيد البلاد الممزقة، خصوصا أن قادة إثيوبيا منذ مئات السنين يخدعون شعبهم، بأن كل مشاكلهم خصوصا الفقر والتخلف سببها مصر، التى يكذبون عليه، ويقولون له إنها تحصل على الحصة الأكبر من مياه النيل علما أنها تحصل على ٥٥ مليار متر مكعب فقط، مقابل أكثر من ٩٠٠ مليار متر مكعب لإثيوبيا، والمشكلة الأساسية لديهم إضافة إلى الهضاب غير المستوية هى غياب الموارد والتمويل والكفاءة الفنية.
قد يكون رهان آبى أحمد صحيحا على أن المواجهة ستوحد الإثيوبيين مؤقتا وتفيده انتخابيا بعد شهور. لكن الصحيح أيضا أنها قد تعجل إذا تمت بسقوط نظامه لأنها ستبعث برسالة مهمة لشعبه، بأن أحمد غامر وقامر بشعبه. وبالنسبة لنا فى مصر، فالأمر لا يعنينا أن تؤدى المواجهة إلى توحيد أو تفرقة الشعب الإثيوبى.
نحن نكن كل تقدير للشعب الإثيوبى، ونتمنى له الازدهار والتنمية. لكن جوهر ما يهمنا هو الحفاظ على حقوقنا المائية التى لا نملك بديلا لها.
فى سيناريو التصعيد سيحاول أحمد خداع الدول الأفريقية، وتصوير الأمر على أنه مواجهة بين المصريين البيض والأفارقة السود، وأنها تمارس سياسة التعالى والفوقية.
وهذا الأمر علينا أن نحتاط له من الآن، وأن نصل إلى الإخوة الأفارقة، ونقول لهم إننا أفارقة مثلكم، ووافقنا على بناء سد النهضة، وكل ما نطلبه هو حقنا فى المياه الذى نحصل عليه منذ آلاف السنين.
وقد تحاول إثيوبيا المزج بين السيناريوهين أى استمرار المراوغة والخداع، وفى نفس الوقت التصادم مع مصر، خصوصا أن بعض مسئوليها بدأوا يلمحون إلى أن النهر نهرهم وأن من يريد المياه عليه أن يدفع».
أعتقد أن أفضل استراتيجية يفترض أن نتبعها مع إثيوبيا المزج ما بين الدبلوماسية والضغط والتهديد وإبلاغهم بوضوح أن أى مساس بحصة مصر المائية سيعنى ضربهم وحرمانهم من أى ثمار للتنمية. وأنه فى اللحظة التى سيحرم فيها مواطن أو فلاح أو حقل زراعى مصرى من المياه، فلن تنعم إثيوبيا إطلاقا بمياه السد أو الكهرباء المتولدة منه.
وأظن أن هذه الرسالة كانت واضحة فى كلام الرئيس السيسى فى قناة السويس.
والمطلوب أن نستمر فى هذه اللغة وأن نصعدها حتى تصل أكثر وضوحا للإثيوبيين، الذين لا يؤمنون إلا بالقوة فقط!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved