روسيا وأوهام عودة الحرب الباردة

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 7 أبريل 2022 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

فى خطابه الأخير عن حالة الاتحاد فى عام 1992، بدا الرئيس جورج بوش الأب منتشيا، وقال إن «أكبر شىء حدث فى العالم فى حياتى، فى حياتنا، هو: بفضل الله، انتصار أمريكا فى الحرب الباردة». وأعلن بوش أن الصراع الأيديولوجى بين الغرب الذى تقوده الولايات المتحدة والشرق الذى هيمن عليه الاتحاد السوفيتى، انتهى ببساطة وبانتصار الولايات المتحدة. 

وبعد ثلاثين عاما، يظهر أن تأكيدات الرئيس الأمريكى السابق أصبح مشكوكا فيها، بل وساذجة إلى حد ما بعدما أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا فى محاولة لتغيير الديناميكيات التى عرفتها أوروبا منذ انهيار الاتحاد السوفيتى.

ودفعت حرب أوكرانيا إلى ظهور نقاش جديد بين المؤرخين والخبراء حول ما إذا كانت الحرب الباردة قد انتهت بالفعل ــ على الأقل فيما يتعلق بموسكو ــ وما إذا كانت الغطرسة الأمريكية قد أعمت الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين عن مخاطر عودتها.

• • •

فى ظهور له أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الثلاثاء الماضى، أكد الجنرال مارك ميلى، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أن العالم أصبح أكثر اضطرابا مع تزايد احتمال نشوب صراع دولى كبير.

وأشار ميلى إلى أن بلاده تواجه تهديدات كبيرة من كل من روسيا والصين، فيما أكد أن الغزو الروسى لأوكرانيا هو «أكبر تهديد للسلام والأمن فى أوروبا وربما العالم».

وأضاف الجنرال، والذى يعد أرفع مسئول عسكرى فى سلم القيادة الأمريكية، «إننا نواجه الآن قوتين عالميتين: الصين وروسيا، ولكل منهما قدرات عسكرية كبيرة وتعتزمان تغيير القواعد القائمة على النظام العالمى الحالى بشكل جذرى.. نحن ننزلق إلى عالم أكثر اضطرابا مع تزايد إمكانية نشوب صراع دولى كبير».

يكرر وزير الخارجية أنتونى بلينكن كذلك مخاوفه من الانجرار إلى حرب مع روسيا، خاصة مع استمرار القتال داخل أوكرانيا، واستمرار تدفق آلاف الجنود الأمريكيين إلى دول أوروبا المجاورة لها. ويستمر التصعيد بين حلف الناتو وروسيا مع تدفق أسلحة متطورة يستخدمها الأوكرانيون لقتال الروس، ونشر أسلحة لردع روسيا فى بولندا مثل بطاريات صواريخ باتريوت، مع تحليق قاذفات B ــ 52 الاستراتيجية فوق دول أوروبا الوسطى.

يحدث ذلك التصعيد فى وقت تحذر فيه تقييمات الاستخبارات الأمريكية من أن روسيا ستسعى لتحقيق مصالحها «بطرق تنافسية وأحيانا تصادمية واستفزازية، بما فى ذلك الضغط للسيطرة على أوكرانيا ودول أخرى مجاورة».

وشدد ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية والسفير السابق لدى روسيا، على ضرورة هزيمة روسيا، والعمل على عدم نجاحها فى أوكرانيا، كى لا تتحرك للسيطرة على دول أخرى.

• • •

بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، تجد الولايات المتحدة الآن فى موقف صعب جدا، فمن ناحية تقدم واشنطن كميات هائلة من الأسلحة للأوكرانيين، فى الوقت ذاته تحاول عدم تصعيد الصراع إلى حرب شاملة بين حلف الناتو أو الولايات المتحدة وروسيا. وتطالب الدول المجاورة لأوكرانيا، وخاصة تلك الأعضاء بحلف الناتو مثل ليتوانيا ولاتفيا واستونيا، إضافة لبولندا، من واشنطن التخلى عن أوهامها بأنه يمكن ردع روسيا، ويرون أن الردع لم يعد كافيا، وأنهم بحاجة لدفاع دول حلف الناتو عنهم قبل فوات الأوان. وتؤمن دول البلطيق أن الدور قادم عليهم، ويكرر سفراء تلك الدول فى فعاليات كثيرة بواشنطن أنه من الواضح أنه كانت «بالأمس جورجيا 2008 وأوكرانيا 2014، واليوم أوكرانيا 2022، وبعد غد دول البلطيق، وفى وقت لاحق بولندا».

وتملك دول أوروبا الشرقية نظرة متشائمة تجاه أهداف روسيا التى يرونها إمبريالية جديدة، وليس لديهم أى شكوك فى سعى موسكو لإحياء إرث الاتحاد السوفيتى. وعلى مدار السنوات الماضية واجه الأوروبيون الشرقيون شكوكا فى نظرتهم إلى الرئيس فلاديمير بوتين، فى وقت دعت فيه واشنطن وعواصم أوروبا الغربية إلى التعامل بشكل عملى مع روسيا.

تتعهد واشنطن بالتصدى لأى توسع روسى خارج الحدود الأوكرانية، وتعهد الرئيس جو بايدن مؤخرا «بالدفاع عن كل شبر من أراضى الناتو بكامل قوة قوتنا الجماعية». لكن الخبراء الأمريكيين قلقون أيضا من وقوع حادث غير مقصود يؤدى إلى اندلاع حرب أوسع نطاقا، مثل الشرارة التى أشعلت الحرب العالمية الأولى، وهو صراع استمر لمدة أربع سنوات وقتل فيه عشرات الملايين. ويمكن أن يتحول الغزو الروسى لأوكرانيا إلى صراع أكبر يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود وغربا إلى داخل أراضى أوروبا الغربية.

ومع استخدام واشنطن والغرب استراتيجية الضغط على روسيا عن طريق فرض العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية الواسعة، يُخشى من أن يستفز ذلك الرئيس بوتين ويدفعه للمزيد من الأعمال العسكرية خارج أوكرانيا. فى الوقت ذاته قد تفهم موسكو أى تردد من أمريكا والغرب فى مواجهتها بالعقوبات على أنه ضعف بما يدفعها للتوسع خارج أوكرانيا.

• • •

من هنا تهدد تبعات حرب أوكرانيا المستمرة، والتى لا يعرف كيف أو متى ستتوقف، الأسس الجيو ــ استراتيجية والسياسية والاقتصادية والمؤسسية للنظام الدولى الذى أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية.

ومع ازدحام المناطق المجاورة لأوكرانيا بقوات حلف الناتو من جانب وقوات روسية فى جانب آخر، يُخشى أن يؤدى سوء تقدير أو سوء قراءة نوايا وتحركات الطرف الآخر، لوقوع بعض الاشتباكات غير المقصودة فى بولندا أو رومانيا أو دول البلطيق، هو ما يعنى اندلاع حرب بين حلف الناتو وروسيا. 

• • •

ترى موسكو أن الغرب وأمريكا تجاهلوها ولم يحترموا مجال نفوذها الخاص، وهو ما دفعها لاستبدال المعارك الأيديولوجية التقليدية فى الحرب الباردة بمنافسة جيو ــ استراتيجية جديدة. وتحاول روسيا ببساطة اكتساب النفوذ باستخدام قواتها المسلحة المنتشرة فى عدة مناطق حول العالم، لكن روسيا اليوم أكثر ضعفا عما كان عليه الاتحاد السوفيتى بالأمس، ولم تعد تمتلك إلا النفط والغاز والسلاح.

وسيبقى الجدل بين المؤرخين حيث سينظر بعض الخبراء إلى التوترات الحالية على أنها مجرد مرحلة جديدة فى حرب باردة لم تنته أبدا، ويرى آخرون أن حرب أوكرانيا تمثل النهاية الفعلية للأحلام الروسية بالبقاء كقوة كبرى فى عالم تسيطر على مساراته واشنطن وبيكين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved