ما جدوى التغيير الوزارى؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 7 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

حتى لحظة إرسال هذا المقال لم يكن التغيير الوزارى المرتقب قد تم الإعلان عنه. التأخير ليس غريبا فهذه عادة التعديلات الوزارية. والتكتم على أسماء المرشحين ليس عجيبا لأن عدد المعتذرين صار محرجا. العجيب والغريب أننا ننتظر تعديلا وزاريا ليست له أسباب واضحة ولا أهداف محددة ولذلك فهو تغيير من أجل التغيير فقط، وأن الشائعات والتكهنات حول من سيبقى من الوزراء ومن سيرحل تصرفنا عن حقيقة أن المشكلة ليست فى أشخاص الوزراء بل فى غياب الظروف التى تمكنهم من العمل. لذلك فإن مجرد استبدالهم لن يكون مفيدا إذا لم ينصلح أسلوب الحكم اصلا.

 

أساس المشكلة أن الوزير ليست لديه السيطرة على وزارته ولا على القرارات المتعلقة بالملف الذى يديره لأن التداخل شديد بين الوزارة والجماعة والحزب والرئاسة، والأمثلة على ذلك كثيرة: شباب الدبلوماسيين فى سفارات مصر فى العواصم الكبرى يحكون الأساطير عن التضارب فى التعليمات الواردة لسفرائهم من هذه الجهات المختلفة. والتشريعات التى ترسل الى مجلس الشورى باسم الحكومة تأتى من خبراء ولجان الحزب والجماعة بينما مستشارو وزارة العدل يقرأون عنها فى الجرائد. أما وزارة المالية فقد دخلت العالمية من أوسع أبوابها، إذ اشتبك المسئولون والمستشارون فيها منذ أسبوعين فى بهو مقر صندوق النقد الدولى بالعاصمة الأمريكية وعلى مرأى ومسمع من وفود العالم وأسمعوهم شتائم وألفاظ غير مسبوقة فى المؤسسات المالية الدولية بسبب الخلاف على من يحضر الاجتماعات ومن يتحدث للإعلام. المشكلة إذن ليست فيمن يكون وزيرا وإنما فى عدم وضوح من يقود السفينة، مع العلم بأن الوزير هو الوحيد صاحب المنصب التنفيذى الرسمى، وبالتالى فهو الذى يتحمل بعواقب ما تقوم به وزارته بينما مستشارو الرئاسة وقيادات الحزب أو الجماعة هم من يسارعون للحديث عن أية إنجازات تلوح فى الأفق ثم ينفضون ايديهم من أخطاء الحكومة والوزراء وقت اللزوم.  

 

ويزيد من المشكلة أن حزب الحرية والعدالة لا يزال مصرا على أن الحكومة الحالية حكومة تكنوقراط محايدة ومستقلة عن الحزب والجماعة، بينما الحكومة وكل وزرائها مختارة من رئيس الجمهورية الذى كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة ومرشحه الرئاسى، وأن البرنامج الذى تطبقه هو مشروع النهضة الذى كسب به الرئيس أصوات الناخبين، وأن صلاحية تعيين رؤساء الهيئات والبنوك والمصالح العامة بيده وحده. لماذا إذن هذا الإصرار على ان الحكومة مستقلة؟ تحديدا لأن الحزب يريد ان يحتفظ لنفسه بحق ان ينسب للرئيس ولجماعته كل إنجاز حقيقى أو وهمى يأتى به احد الوزراء ولكن يبعد عن نفسه شبهة أى خطا أو تقصير منهم. وهكذا تكون حوادث القطارات مسئولية وزير النقل وحده بينما زيادة محصول القمح من إنجازات الرئيس، وقدوم السياحة الإيرانية دليل على نجاح مبادرة الرئيس بينما انهيار السياحة مسئولية الوزير، وفوز مصر فى مباراة كرة قدم انتصار للرئيس بينما توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى مسئولية وزير المالية ومحافظ البنك المركزى، ودخول استثمارات جديدة الى البلاد شهادة ثقة من المستثمرين بينما خروجها مسئولية وزير الاستثمار. لا عجب إذن ان تتوالى الاعتذارات عن تولى الحقائب الوزارية من أشخاص لا تنقصهم الخبرة ولا الوطنية لأنهم يدركون أن القرار النهائى لن يكون فى أيديهم وأن النظام الحاكم لن يساندهم وقت الأزمات بل سيعتبرهم «تكنوقراط» يمكن التضحية بهم على محراب شعبية الرئيس ومؤشرات الانتخابات. 

 

ثم لنسأل انفسنا، ولماذا التغيير أصلا؟

إن كان السبب هو الاستجابة لمطلب المعارضة فإن هذه تكون استجابة فى غير محلها. فالمعارضة لم تكن موفقة حينما طالبت بتغيير بعض الوزراء ــ حرصا على حد قولها على حيادية الحكومة اثناء الانتخابات البرلمانية ــ لأن مجرد تغيير الأسماء والوجوه لن يضمن حيادية الانتخابات إذا لم تكن هناك ضوابط وقواعد تحكم عمل أجهزة الدولة على نحو ما هو معروف فى الدول الديمقراطية حقيقة لا اسما. والمعارضة تخطئ أيضا حينما تحدد وزراء الداخلية والإعلام والشباب والتموين باعتبار أنهم المؤثرون فى الانتخابات وبالتالى المطلوب تغييرهم. ماذا عن وزير الزراعة ونفوذه على الناخبين فى القرى والمناطق الريفية؟ أو وزيرة الشئون الاجتماعية وسيطرتها على التأمينات والمعاشات؟ وماذا عن وزير المالية الذى بيده مفاتيح خزائن الدولة؟ المعيار ضعيف وغير مقنع، والأهم هو أن يكون قانون الانتخابات محايدا والعملية الانتخابية واقعة تحت الإشراف القضائى فى جميع مراحلها وأن توجد ضوابط تضمن حيادية أجهزة الدولة. 

 

أما إن كان التغيير الوزارى سببه ــ كما أعلن قياديون فى الجماعة والحزب ــ ضعف أداء بعض الوزراء، فما هو المعيار الذى تم الاستناد اليه فى قياس هذا الأداء بخلاف التواجد الإعلامى؟ وكيف يتم تحديد مسئولية الوزراء عن أمور خارجة عن إرادتهم لأن القرار يتخذ من مكان آخر؟ الواقع أن معيار النجاح والفشل ليس سهلا لأن الأهداف غير محددة وغير معلنة ولا يوجد وسيلة معروفة لقياس نجاح أو فشل الوزير سوى حجم اهتمام الإعلام به وما يتمتع به من تأييد وإعجاب على صفحات الفيسبوك، وهى معايير غير كافية.

 

تقديرى أن الدافع الحقيقى للتغيير هو مجرد الإيحاء بأن شيئا ما يحدث، وأن النشاط والحيوية فى كل مكان، وان الرئيس يتفاعل مع مطالب الجماهير، وأن هناك حركة وتغيير ووزراء يتم فصلهم وآخرون ينزلون الى الملعب بحماس ونشاط، وهذا كله لن يكون مفيدا طالما بقيت قواعد اللعبة كما هى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved