أين المجتمعات المدنية فى النظام الإقليمى العربى؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 7 مايو 2015 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

لمن ستتوجٌه أمة العرب وهى تواجه الحرائق السياسية والأمنية والعمرانية والمعيشيَة المشتعلة فى جميع أرجاء وطنها الكبير؟ فهى لا تستطيع الاعتماد على نظامها الإقليمى العربى الذى يعانى منذ سنين الضعف والهزال بسبب انقسامات وصراعات مكوناته، حكومات الدول العربية، وأيضا بسبب اختراقه من قبل قوى خارجية إقليمية وعالمية.
وهى لا تستطيع الاعتماد على قوى وفاعلية مجتمعاتها المدنية التى أنهكتها أيادى البطش الأمنى عبر السنين الطويلة، ودمر الاستبداد روحها وطموحها والتزامها الوطنى والقومى والأخلاقى، وجعلها تعيش على هوامش حياة مجتمعاتها بعيدا عن حمل أية مسئولية وعن المشاركة فى اتخاذ أى قرار.
لنتذكر أن الحرائق ما عادت محصورة فى قطر واحد حتى نعول على استنهاض هذه الحكومة أو تلك أو هذا المجتمع أو ذاك. إنها حرائق قومية لا تقف عند حدود ولا تصيب جزءا من جماعة. إن أفضل مثال على ذلك هو حريق داعش وأخواتها، فهو لن يتوقف عند حدود ولن يقتصر على شعب عربى واحد.
يسأل الإنسان: لو أن العرب عملوا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أى منذ سبعين سنة، على أن تكون الجامعة العربية مؤسسة نظام إقليمى عروبى الروح والفكر، متدرج فى خطواته الوحدوية وفى إعلاء السيِادة الجماعية على السيادة الوطنية الضيقة وفى عدم السَماح قط لأن يواجه أى قطر عربى أخطار الخارج ومؤامراته واستباحاته لوحده، دون وقوف بقية أمته معه، فهل كان الوضع الذى تواجهه الأمة حاليا سيكون بهذا المستوى المفجع المأساوى الذى يهدد وجودها؟
إن تاريخ الفشل الذريع فى بناء نظام اقليمى قومى عربى حيوى وقادر تاريخ تراجعات مستمرة. ففى الخمسينيات من القرن الماضى وقعت اتفاقية الأمن العربى المشترك لكنها لم تفعُل قط فى وجه أى اعتداءات واحتلالات من قبل الصهيونية أو الدول الاستعمارية. وهكذا فشل النظام الاقليمى العربى فى حقل الأمن العربى.
وفى الثمانينات من القرن الماضى وقع رؤساء الدول العربية على بروتوكولات الوحدة الجمركية ومن ثم السوق العربية المشتركة من أجل إقامة كتلة اقتصادية متماسكة. لكن بعد مرور أكثر من ثلث قرن لم يتحقق من تلك القرارات أى قرار، وظلت التجارة بين الدول العربية لا تزيد نسبتها على ثمانية إلى عشرة فى المائة وظلت أحلام المشاريع الاقتصادية المشتركة أحلاما على الورق تراوح مكانها. وهكذا فشل النظام الاقليمى العربى فى حقل الاقتصاد.
وحصل نفس الفشل فى بناء المشترك فى حقول التربية والعلوم والثقافة والإعلام. ولا يحتاج الإنسان للحديث عن فواجع وكوارث الانقسامات والصَراعات والمؤامرات والأخطاء والخطايا فى حقل السياسة، فهى سلسلة من الفشل لا نزال نعايشها حتى يومنا هذا.


•••

ما السبب المفصلى فى عدم قدرة العرب على بناء نظام إقليمى قومى بقدرات معقولة وبكفاءة عالية وبإنجازات يتوقَعها المواطن العربى؟
فى اعتقادى أن السبب يكمن فى اقتصار بناء ذلك النظام على سلطات أنظمة الحكم العربية، أى سلطات الدولة العربية، دون إشراك قوى المجتمعات المدنية العربية بالصورة التى تجعلها شريكة فى اتخاذ القرارات وفى تحمل المسئوليات وفى موازنة الكثير من نقاط الضعف المتجذرة فى أنظمة الحكم العربية، سواء على مستوى الفكر أم مستوى الإرادة والممارسة.
نحن هنا لا نتكلم عن الإشراك الرمزى لممثلين عن المحطات العربية، وأغلبها فى جميع الأحوال لا يمثٍل المجتمعات العربية، ولا نتحدث عن استشارة الجامعة العربية لهذه الجماعة أو تلك فى هذا الشأن المحدود أو ذاك. إن تلك الممارسات المتواضعة لا تمثل إشراكا حقيقيا نديا للمجتمعات المدنية العربية مساويا للوزن الذى تمثله الحكومات العربية فى اتخاذ القرار وتنفيذه ومراقبة تنفيذه بعد ذلك.
مربط الفرس هو فى الغياب الشبه كامل والمعيب لتمثيل مجتمعات الشعوب العربية فى النظام الاقليمى العربى بشكل يؤدى إلى أن تحمل مسئولية حاضرها ومستقبلها بعيدا عن المماحكات بين أقليات عربية سياسية تمارس الحكم، فى أغلب الأحوال، من أجل مصالح ضيقة أو آنية أو تابعة للخارج. هو أفضل مثال على إشراك المجتمعات فى المؤسسات المشتركة هو البرلمان الأوروبى المنتخب من قبل مواطنى دول الاتحاد الأوروبى. إن تأثيره فى القرارات التى تأخذها الحكومات كبير.
بدون إيجاد حل لتواجد المجتمعات العربية المدنية فى النظام الإقليمى العربى سيظل ذلك النظام كسيحا غير قادر على إطفاء أى حريق، كما نراه أمامنا فى هذه الأيام الحالكة السواد.

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved