الدور الأمريكى فى عملية السلام الفلسطينية ــ الإسرائيلية

سيد ابو زيد عمر
سيد ابو زيد عمر

آخر تحديث: الأحد 7 مايو 2017 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

كانت عملية السلام وفى مقدمتها القضية الفلسطينية قد توارت إلى عهد قريب فى سلم الأولويات للمنطقة وعلى الساحة الدولية، وذلك إزاء الأزمات الدامية التى عصفت بالمنطقة منذ اندلاع وتصاعد ما يسمى بثورات الربيع العربى والانقسامات فى الصف الفلسطينى وتصاعد هيمنة اليمين الإسرائيلى مع تراجع نفوذ تيار اليسار والوسط، وأصبح الوضع على الأرض شديد التعقيد، وهو ما أشار إليه بوضوح وزير الخارجية الأمريكى السابق «جون كيرى» قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما حينما حذر من تقويض الأسس التى تحكم التسوية وفقا لصيغة حل الدولتين للقضية الفلسطينية.
اتصالا بذلك يلاحظ أن الصيغ المتبعة سابقا ــ والتى كانت تعكس إلى حد كبير حقبة الهيمنة الأمريكية فى عملية السلام ــ والتى تتمثل فى صيغ مدريد وإطار أوسلو والرباعية الدولية بدأت تتلاشى مع الإخفاق المتكرر لمسار المفاوضات حتى وصل الأمر إلى غياب صيغة واضحة يمكن الاعتماد عليها لإطلاق مسيرة التسوية من جديد.
كما يطرح تناول إدارة ترامب المرتقب لملف التسوية الفلسطينية ــ الإسرائيلية عدة تساؤلات لا بد من الوقوف عندها لتقييم أبعاد هذا التحرك:

أولا: مدى حرص الولايات المتحدة على أن تلعب الدور الرئيسى فى عملية السلام:
جاءت تصريحات الرئيس ترامب المتكررة حول القضية الفلسطينية لتؤكد أن عملية التسوية سوف تحظى بأولوية متقدمة ضمن تحركه فى المنطقة وأنه يعتبر نفسه الأقدر على الوصول إلى صيغة مرضية لتحقيق السلام. وأقدمت الإدارة الأمريكية على عدة خطوات تعكس نيتها للإمساك بمقاليد عملية السلام والاحتفاظ بالدور الأساسى فى ملف التسوية؟
ــ تعيين الرئيس ترامب مبعوثا خاصا لعملية السلام وهو المحامى الأمريكى اليهودى جيسون جرينبلات الذى يعد من المقربين للرئيس الأمريكى بحكم عمله كمحام لأعماله وكان يشغل منصب مستشاره لشئون إسرائيل خلال حملته الانتخابية. وهو يهودى أرثوذكسى محافظ وله ارتباطات بلوبى المستوطنات فى إسرائيل.
ــ انتهى جرينبلات مؤخرا من أولى جولاته فى المنطقة التى اقتصرت على إسرائيل والأراضى الفلسطينية، ولم تعلن الإدارة حتى الآن عن نتائج تلك الجولة إلا أن الصحافة الإسرائيلية حيث أشارت إلى أنها تركزت على إيجاد صيغة مقبولة للجانب الإسرائيلى لوضع ضوابط لعملية البناء فى المستوطنات.
ــ تبدى الإدارة إصرارا واضحا على التصدى بقوة لأى اتجاه لتدويل القضية الفلسطينية، ويقصد بذلك استراتيجية الجانب الفلسطينى التى تتركز على اللجوء إلى المحافل الدولية.
ــ قد تجلى هذا الإصرار الأمريكى مؤخرا فى شكل الوقوف ضد تعيين رئيس الوزراء الفلسطينى السابق «سلام فياض» كمبعوث للأمين العام لليبيا خلفا للسيد «مارتن كوبلر» والضغط على الأمين العام للأمم المتحدة لإسقاط التقرير الصادر عن منظمة الإسكوا الذى وصف الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية بأنه يشبه حالة الأبارتايد فى جنوب أفريقيا، والتصدى للقرارات الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان حول فلسطين.
ــ ما يتردد إعلاميا عن ترتيب جولة للرئيس ترامب فى المنطقة خلال شهر تشمل إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية ــ بالإضافة إلى السعودية ومصر ــ لتحريك عملية السلام بين الطرفين، وأنه يعكف حاليا على بلورة مبادرة سلام جديدة لطرحها على الطرفين خلال جولته.
ثانيا: عما إذا كانت لدى الإدارة الأمريكية صيغة واضحة المعالم لتسوية الملف الفلسطينى على الأقل؟
يصعب استشراف معالم تحرك الإدارة الجديدة تجاه عملية السلام باعتبار أن السياسة الخارجية الأمريكية برمتها لا زالت فى طور التشكيل، إلا أنه يمكن استشفاف بعض المؤشرات الأولوية يتعين الإشارة إليها وتتمثل فى الآتى:
ــ إقرار الإدارة الأمريكية بأن مسألة بناء المستوطنات على النحو المضطرد الذى تقدم عليه إسرائيل يمثل عقبة حقيقية لإعادة إطلاق عملية السلام، وهو ما ألمح إليه الرئيس ترامب ضمنيا فى مؤتمره الصحفى عقب اجتماعه مع نتنياهو حينما أعرب عن رغبته فى قيام إسرائيل بتخفيف وتيرة البناء فى الأراضى الفلسطينية، مع ملاحظة أن موقف ترامب لم يصل إلى حد الاعتراض الصريح على سياسة الاستيطان الإسرائيلية.
ــالإبقاء على الغموض بالنسبة لموقف الإدارة من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تنفيذا لوعد ترامب خلال حملته الانتخابية، حيث أعربت الإدارة أكثر من مرة عن مواقف توحى بالتريث فى تحقيق هذا الوعد.
ــ التأكيد على محورية البعد الإقليمى للتسوية كركيزة لتحرك الإدارة إزاء عملية السلام، وهو ما يمكن تفسيره بأكثر من احتمال؛ فإما أن تطالب الإدارة بإقدام الجانب العربى على خطوات تطبيع باتجاه إسرائيل لتشجيع نتنياهو على المضى قدما فى مسيرة التسوية، أو الضغط على الجانب الفلسطينى لإبداء تنازلات، أو موافقة الجانب العربى على تحمل تبعات السلام ماليا وسياسيا وأمنيا فى شكل التزامات أكثر وضوحا وتفصيلا عما جاء فى مبادرة السلام العربية.
ــ الإشارة المبهمة التى وردت فى تصريحات ترامب حول صيغة الدولتين كأساس للتسوية وترك الباب مفتوحا لإقرار صيغة الدولة الواحدة كبديل، حيث نعتقد أنه يصعب تحميل تلك الإشارة بتفسيرات توحى بإحداث تحول جوهرى فى الموقف الأمريكى إزاء تلك المسألة، بل إن الأمر لا يعدو كونه إشارة عفوية.
ــ بناءً على ما تقدم فإن تقديرنا يذهب أن الصيغة التى سوف تستند اليها الإدارة فى تحركها لإعادة إحياء عملية التسوية سوف ترتكز بالأساس على الجوانب الإجرائية للملف الفلسطينى كوسيلة لاستئناف المفاوضات بين الجانبين دون الإقدام على طرح مبادرات أمريكية موضوعية تمس قضايا التسوية النهائية (القدس، اللاجئين، الأمن، الحدود، المستوطنات).
ثالثا ــ هل يملك الرئيس ترامب الإرادة السياسية والقدر المطلوب من المثابرة للمضى قدما فى عملية التسوية بكل ما تحمله من عقبات وتعقيدات؟
ــ لقد أثبتت التجربة أن جدية التحرك الأمريكى لدفع عملية السلام إنما يتطلب استعداد الولايات المتحدة لممارسة ضغوط حقيقية على الطرفين وخاصة الطرف الإسرائيلى، وهو ما وضح على سبيل المثال إبان إدارة الرئيس نيكسون وقت مفاوضات فض الاشتباك، وكذلك إبان عهد الرئيس بوش الأب حينما هدد بسحب ضمانات القروض الأمريكية عن حكومة شامير لدفعها إلى المشاركة فى مؤتمر مدريد عام 1991.
ــ على خلاف ذلك أظهرت إدارة أوباما نية صادقة لتحريك عملية التسوية وصولا إلى صدام سياسى حقيقى بين أوباما ورئيس الوزراء نتنياهو حول مسألة المستوطنات، وإنما تم ذلك كله بمعزل عن أى تأثير على مسار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية حيث أقدمت إدارة أوباما على إبرام أكبر صفقة مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 30 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وهو ما أدى إلى فشل جهود الإدارة فى تحريك عملية السلام.
رابعا ــ هل الولايات المتحدة قادرة على فرض صيغة التسوية إن ــ وجدت ــ على الأطراف؟
ــ على الرغم من المؤشرات التى توحى برغبة الإدارة الأمريكية على الإمساك بمقدرات عملية السلام، إلا أنها سوف تواجه بذات الوضع المعقد الذى أشار إليه وزير الخارجية الأمريكى السابق كيرى بتوقف مسار المفاوضات منذ فترة طويلة تزيد على سبع سنوات، والتوسع المضطرد فى عملية بناء المستوطنات الإسرائيلية، وإصرار الجانب الإسرائيلى على وضع شروط مجحفة لاستئناف المفاوضات وعلى رأسها اعتراف الجانب الفلسطينى بيهودية الدولة.
ــ من الواضح أيضا أن صيغة التسوية النهائية للصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى يحتم مشاركة أطراف أخرى للخوض فى تنفيذ استحقاقات السلام، سواء كانت فى شكل ضمانات أمنية للطرفين، أو مساعدات مالية وخاصةً فيما يرتبط بملف اللاجئين الفلسطينى، أو تواجد قوات أمنية فى الضفة الغربية، وما إلى ذلك من متطلبات أمنية وسياسية واقتصادية يصعب تصور تحمل الولايات المتحدة تبعاتها وحدها، وخاصةً فى ظل ما بدا واضحا من رفض الرئيس ترامب تحمل الولايات المتحدة التزامات إضافية دون عائد مباشر للمصالح الأمريكية.
خامسا ــ ما إذا كانت صيغة التسوية سوف تنحاز لصالح إسرائيل ومقدار هذا الانحياز؟
ــ يتعين الإشارة إلى أنه من ضمن الثوابت الأمريكية فى التعامل مع ملف التسوية أن إقناع الجانب الإسرائيلى للإقدام على تنازلات وخاصةً بالنسبة للانسحاب من الأراضى الفلسطينية إنما يمر عبر ضمان أمن إسرائيل أولا وذلك من خلال المزيد من المساعدات العسكرية والضمانات الأمنية الأمريكية للحليف الإسرائيلى، أى أن مفتاح النجاح فى عملية السلام من وجهة النظر الأمريكية يتمثل فى تعزيز أمن إسرائيل فى المقام الأول.
ــ من هنا يبدو واضحا أن الصيغ الأمريكية سوف تنحاز تلقائيا لمصلحة إسرائيل، ويبقى السؤال هو مقدار هذا الانحياز وهو ما يصعب التكهن به فى هذه المرحلة المبكرة من تحرك الإدارة الجديدة، وإن كان يحكمه قدر التحرك العربى الفلسطينى وإصرارهما على ثوابت الموقف العربى.
وبوجه عام، من المبكر الحكم على توجهات الإدارة الجديدة إزاء عملية التسوية فى الشرق الأوسط، ليس فقط باعتبار أن الإدارة الجديدة ما زالت فى مرحلة تثبيت أقدامها ووضع ملامح تحركها إزاء العديد من القضايا الدولية والإقليمية، بل أيضا بالنظر لخصوصية الظرف السياسى الذى تمر به الولايات المتحدة بحكم بوادر الصراع القائم بين الإدارة والعديد من مؤسسات الحكم فى الولايات المتحدة وهو أمر لم تشهده واشنطن منذ السبعينيات من القرن الماضى خلال عهد إدارة الرئيس نيكسون. لذلك فإنه من الأهمية القصوى اتخاذ الجانب العربى زمام المبادرة لبلورة تصور واضح للتعامل مع الإدارة الأمريكية فى هذه المرحلة، انطلاقا من عدة اعتبارات:
ــ لقد أثبتت التجربة بوضوح أن غياب الجانب العربى عن مسيرة التسوية وترك الساحة للجانب الأمريكى وحده من شأنه أن تترتب عليه تحركات وصيغ أمريكية تأتى فى معظمها مناقضة لثوابت الموقف العربى إزاء القضية الفلسطينية، وهو أمر يتعين التحرك من الآن لتجنبه.
ــ أهمية التأكيد بوضوح على ثوابت الموقف العربى حتى لا تكون عرضه لضغط أمريكى إسرائيلى متوقع لتطويع تلك الثوابت بما يخل بالمبادئ التى تم إقرارها فى مبادرة السلام العربية كإطار عربى جامع، تلك الثوابت التى تتمثل فى رفض يهودية الدولة، الانسحاب الإسرائيلى إلى حدود 1967، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والتمسك برفض الإقدام على التطبيع مع إسرائيل إلا بعد تنفيذ الجانب الإسرائيلى لالتزاماته وفقا لصيغة المبادرة العربية.
ــ إيجاد مساحة تلاقى مع الإدارة الأمريكية فى تحركها لإطلاق مسيرة المفاوضات من جديد على غرار ما صرح به السيد الرئيس خلال لقائه مع الرئيس ترامب من استعداد مصر للانخراط فى تحقيق صفقة القرن. وقد يتطلب ذلك بلورة صيغ جديدة لقيام الجانب العربى بدور الشريك فى المفاوضات مع الجانب الأمريكى، ودور بارز فى استضافة جولات المفاوضات بين الطرفين، والتقدم بمقترحات لجسر الهوة بينهما، مع التأكيد على استعدادنا على الاضطلاع بدور بناء مع الطرف الأمريكى وبما يستجيب لميل الرئيس ترامب للتعامل على أساس المصالح، دون اغفال الثوابت المبدئية، ودون أن يخل ذلك بوضع الجانب الفلسطينى باعتباره الطرف الأصيل الرئيسى فى التفاوض مع اسرائيل.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved