معامل أبحاث

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الأحد 7 مايو 2017 - 11:28 ص بتوقيت القاهرة

اليوم نتحدث عن موضوع قد تظن أنه ليس أولوية في الوقت الراهن في بلادنا ولكني أعتقد العكس، هذا الموضوع هو: معامل الأبحاث التابعة للدولة أى معامل الأبحاث الحكومية، ما نوعية الأبحاث التي تقوم بها هذه المعامل (وهنا لا نقصد أبحاث عسكرية أو غير عسكرية ولكن نقصد نوع الأبحاث من حيث المحتوى العلمي)؟ لكي نجيب على هذا السؤال يجب أن نبحث العلاقة بين التكنولوجيا والعلم وقد تحدثنا عن التكنولوجيا في عدة مقالات سابقة مثلاً تعريف التكنولوجيا و تأثير التكنولوجيا على سوق العمل و متى تحل التكنولوجيا مشاكل المجتمع... فكيف تحدد العلاقة بين العلم والتكنولوجيا نوعية الأبحاث التي تجرى في معامل الأبحاث تلك؟


العلاقة يمكن أن نفهمها من الإجابة على سؤالين: هل المشروع يحل مشكلة ما؟ هل المشروع يحاول الإجابة على سؤال علمي معين؟ السؤال الأول له علاقة بالتكنولوجيا أما الثاني فهو العلم ... هذان السؤالان يعطيانا أربعة أنواع من المعامل أو المشاريع.

النوع الأول هو الذي يحاول أن يحل مشكلة ما في الحياة ولكي يحل تلك المشكلة يلزمه أن يدفع بالعلم خطوة للأمام وبذلك يجيب على سؤال علمي معين، من أمثلة معامل الأبحاث التي تعتبر من هذا النوع معامل أبحاث وزارة الدفاع الأمريكية والمعروفة بإسم DARPA وهو إختصار
(Defense Advanced Research Projects Agency) أو “وكالة المشروعات البحثية الدفاعية المتقدمة” و قد أنشأت عام 1958 وتعتبر من أنجح المعامل البحثية في العالم من حيث التكنولوجيا التي طورتها (وكانت في أحيان كثيرة تحتاج إلى بحث علمي مكثف) من أمثلة التكنولوجيا التي طورتها هذه الوكالة: الطائرات بدون طيار، الطائرات التي لا تظهر على الرادارات و أجهزة تحديد الأمكنة (GPS) وطبعاً لا ننسى الإنترنت حيث بدأت في هذه المعامل وكان إسمها أربانت (ARPANET).
هناك مقال في مجلة Harvard Business Review بتاريخ أكتوبر 2013 يشرح طريقة عمل هذه المعامل وكيف يمكن تطبيقها في الشركات والمعامل الأخرى، الكاتبان كانا مديرا هذه الوكالة لعدة سنوات لهذا فخبرتهما تجعل هذا المقال مهماً، عنوان المقال (Special Forces Innovation: How DARPA Attacks Problems) أو "القوات الخاصة للإبتكار: كيف تحل داربا المشكلات" ... هذا المقال هو الذي قسم أنواع معامل الأبحاث حسب السؤالين الذين ذكرناهما في البداية، وملخص طريقة عمل هذه الوكالة هو أنه عندما تكون هناك مشكلة يراد حلها (يبدأ العمل في مشروع جديد عندما توجد مشكلة) يتم تقسيم هذه المشكلة إلى مشكلات أصغر وتعيين طاقم من العلماء (من الجامعات ومراكز الأبحاث الأخرى) لكل مشكلة صغيرة يعملون بحرية تامة ولكن تحت إشراف عالم من الوكالة ويجب أن يكون لكل مجموعة بحثية وقت وميزانية محددة لحل هذه المشكلة الصغيرة ثم يتم تجميع الحلول لحل المشكلة الأساسية.

النوع الثاني من المعامل هو من يحاول حل مشكلة في الحياة باستخدام ما نعرفه من علوم، هذا ما تتبعه أغلب معامل الأبحاث في الشركات الكبرى أو معامل الأبحاث لدول لا تملك الميزانية الكافية لدفع العلم خطوة للأمام ولكنها تستطيع إنتاج تكنولوجيا من العلوم الموجودة، المقال الذي ذكرناه يضرب مثال بتوماس أديسون حيث أنه عنده الكثير من براءات الإختراع لأنه أنتج تكنولوجيا كثيرة لكنه لم يحصل على جائزة علمية فلم يحصل على نوبل مثلاً، معامل أبحاث شركة Amazon مثلاً من هذا النوع فعندما قررت إنتاج ما يسمى بالمساعد الإفتراضي (virtual assistant) المسمى Alexa كان أهم شروط نجاحه ألا يحتاج أكثر من ثواني قليلة للرد على أى سؤال، إذا يجب أن يستمع إلى سؤال يلقيه عليه شخص ما (وقد تكون هناك ضوضاء فى المكان) ويفهمه ويبحث عن الرد (الذي قد يستلزم استخدام الإنترنت) ثم يرد صوتياً على هذا السؤال، شركة Amazon استخدمت تقنيات موجودة في مجالات الذكاء الصناعي والإتصالات وسرعة المعالجة إلخ ... لم تدفع عجلة العلم ولكن دفعت عجلة التكنولوجيا.

النوع الثالث هو من يريد أن يجيب عن سؤال علمي دون أن تكون هناك مشكلة ملحة في الحياة يراد حلها، هذا هو العلم من أجل العلم ويحتاج قدر وافر من الرفاهية من الدولة أو المؤسسة الممولة لأنها ستدفع للعلماء وللبحث العلمي دون أن يكون هناك مردود سريع أو عائد لهذا البحث، أهم مثال لهذا النوع من المعامل هو Institute of Advanced Studies في ولاية نيوجيرسي وهذا المعهد ملحق بجامعة برينستون (Princeton) العريقة ولكنه مستقل عنها إدارياً، العلماء في هذا المعهد منذ إنشاءه لم يكن مطلوباً منهم حضور إجتماعات أو تدريس أو أية واجبات بخلاف شئ واحد: التفكير، إذا تأملنا من عملوا في هذا المعهد سنجد أسماء مثل كيرت جودل و جون فون نيومان وألبرت أينشتاين، والشئ بالشئ يذكر: فى خمسينات القرن الماضي زار كاتبنا الكبير محمد حسنين هيكل هذا المعهد وحاور أينشتاين وهذا الحوار منشور في كتاب (زيارة جديدة للتاريخ) في باب بعنوان "ألبرت أينشتاين: النسبية والقنبلة وإسرائيل".

أعتقد أننا لسنا بحاجة للتحدث عن النوع الرابع!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved