المستقبل الأفضل يستحق كل هذه التضحيات

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 7 مايو 2019 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

هل جاء زمن إعادة النظر فى خريطة الوطن العربى، بدولها الغنية المرتهنة للأجنبى، لا فرق بين أن يكون أمريكيا أو إسرائيليا، أو تابعا مطيعا لهما معا؟

إن الوطن العربى بأقطاره كافة يتعرض لاضطراب عنيف يتهدد دوله، تستوى تلك التى لها جذور فى التاريخ، مصر، سوريا، العراق، المغرب، الجزائر، اليمن والسودان، أو تلك الطارئة أو المستحدثة.

بالمقابل، فإن دولة طارئة على المنطقة ومستقوية بالدعم الخارجى المفتوح والضعف ومعه الانقسام عربيا، هى الكيان الإسرائيلى تعتز بـ«ابتلاع» فلسطين كاملة، ضمن «صفقة القرن» التى «يبشر» بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومعه رئيس حكومة العدو الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ويهلل لها بعض العباقرة من العرب و«المحللين» فيقولون ما لا يجوز القول به.

على أن الأمة العربية التى ترفض الموت تندفع الآن، مرة أخرى، نحو تغيير هذا الواقع الردىء والذى يسحبها إلى الخلف، إلى خارج التاريخ، مؤكدة أن أجيالها الجديدة التى استولدها ثوار التحرير قادرة على حماية الإنجاز التاريخى والتقدم نحو الغد الأفضل.

وإذا كانت بعض أقطار المشرق تعانى من آثار الردة ومخلفات الديكتاتورية والنفخ فى رماد الفتنة لإيقاظها وطمس الهوية القومية بالطائفية والمذهبية والعنصرية، فإن أقطار المغرب العربى ومعها السودان، تستعيد روحها بالثورة، بدءا بتونس البوعزيزى، وصولا إلى جزائر المليون شهيد وصولا إلى سودان الخير، وتباشر إسقاط الديكتاتورية فاتحة الباب أمام فجر الحرية والعزة وكرامة الإنسان بالثورة السلمية معززة بالوعى الثورى ورفض المساومة على التغيير وحقها فى أن تكون بلادها لها، وفى أن تبنى فيها وبطاقاتها وزخم الشباب الغد الأفضل الذى تستحق.

***
إن شعبى الجزائر والسودان فى شوارع العاصمتين والمدن الأخرى فى الأقاليم، يرفضون المساومة التى تعرض عليه، لتقاسم السلطة، ويتخوفون أكثر ما يتخوفون من تدخل الذهب العربى لحرف الثورة عن مسارها والتسليم بمساومة تقضى بتقاسم السلطة بين الثوار والجيش.

ولقد خبر الشعبان العربيان فى كل من الجزائر والسودان تواطؤ الأنظمة المذهبة مع أى ديكتاتورية تخرج البلاد من هويتها ومن دورها القومى ومن حق شعبها فى القرار، أى قرار وكل قرار يتصل بمصلحة البلاد وحقها فى التقدم والاستقلال ولعب دورها على المستوى القومى (بعنوان فلسطين) والدولى، وإسقاط «صفقة القرن» التى يبشر بها الرئيس الأمريكى ترامب لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة السيطرة على مقدرات الأمة جميعا، وطمس حقوقها فى تقرير مصيرها وحماية هويتها العربية التى دفعت ثمنها بالأحمر القانى.

لندخل فى التفاصيل:
فجأة تنبهت بعض دول النفط والغاز العربية إلى «علاقات الأخوة»، التى لا تعنى هنا إلا «المصالح» مع كل من السودان (الفقير) خصوصا، قبل الجزائر وبعدها..
وهكذا طار الرسل بالكوفية والعقال يحملون إلى السودان «ثمن الثورة» بمليارات الدولارات نقدا..
وكان بديهيا أن يستغرب السودانيون هذا الكرم الطارئ وأن يستريبوا بأهدافه، وأن يخافوا بالتالى على انتفاضتهم الشعبية الرائعة وصمود جماهيرها فى الشارع طيلة شهر وأكثر، ترفض المساومة وتصر على إسقاط النظام بجميع رموزه وإعادة السلطة إلى صاحبها الشرعى: الشعب.

***

ويشهد «التاريخ المعاصر لهذين الشعبين يتحمل الكثير من الظلم وعنت السلطة.. وشهيرة هى التظاهرات العارمة التى استقبل بها شعب المليون شهيد فى الجزائر، رئيس دولة المستعمر الفرنسى السابق، التى أنكرت على الجزائريين هويتهم الوطنية، واعتبرهم ــ بقوة الأمير الواقع ــ فرنسيين (من الدرجة الثانية، طبعا)، كان يهتفون: فيزا، فيزا!
فى تلك التظاهرات العارمة، قبل نحو 15 سنة، كان هتاف الجزائريين جارحا لكرامتهم، ولكن «الجوع كافر».. فقد كانوا يهتفون أمام جاك شيراك، وريث الاستعمار الفرنسى.

بالمقابل فإن شعب السودان الطيب يعانى من العوز والحاجة، ويغادر شبابه المؤهل والمستعد لأن يعمل بطاقته الكاملة، إلى أقطار الجزيرة والخليج ليبيع عرق جباهه لمن يدفع له أجرا مقبولا يقيه شر الحاجة... مع أن بلاده الواسعة بل الشاسعة لا تجد من يزرعها لأن الزراعة لا تدر ما يكفى.. خصوصا أن بعض دول النفط قد وضعت يدها، بالإيجار أو بالاستثمار، على مساحات واسعة، لتعويض النقص فى إنتاج صحاريها، من القمح والحبوب إجمالا، فضلا عن قطعان من الماشية (بقر وغنم) يلتهمونها مع ضيوفهم، عربا وأغرابا، تدليلا على كرمهم... بينما منتجو هذه القطعان يعانون من الفاقة ويتغذون بما تيسر.. ثم يحمدون الله على كرمه.

وغنى عن البيان كم ضحى شعبا الجزائر والسودان من أجل الحرية والاستقلال، ثم من أجل حكم وطنى يوفر لشعبه احتياجاته الطبيعية وأهمها الغذاء الصحى والتعليم وفرص العمل التى تؤمن له دخلا كافيا يقيه شر الحاجة وتربية عياله بكرامة.
لم يستطع أهل الذهب الأسود، أو الأبيض، أن يشتروا هاتين الانتفاضتين المبشرتين بالغد الأفضل لشعبين عربيين بذلوا الدم، كثيرا من الدم، والعرق، من أجل تأمين الغد الأفضل لأجيالهم الجديدة.
لقد اغتيلت الثورة الجزائرية المجيدة، بالحكم المؤبد الذى أقفل الباب أمام الغد الأفضل لشعب المليون شهيد من أجل الحق فى استعادة الهوية الوطنية والقرار بشأن حياتهم ومستقبلهم الأفضل الذى سقوه دماءهم..

***

كذلك فإن شعب السودان الذى عرف الحياة السياسية بصخبها وأحزابها المتعددة والتى قدمت نموذجا فذا للديمقراطية وقبول الكل بالكل، قبل أن يتقدم العسكر لإفساد تلك الحياة، وحل الأحزاب (التى استمرت قوية ومؤثرة)، كما تشهد تظاهرات الشهر الماضى، والتى يتجاور فيها الشيوعيون وحزب الأمة وسائر القوة المنظمة والنقابات العمالية بتاريخها العريق..
ونادرة فى التاريخ السابقة التى أقدم عليها العقيد سوار الذهب الذى تولى السلطة، ذات يوم، فى السودان، نتيجة إقدام الجيش على «خلع حكم فاسد»: فبعد أن اطمأن سوار الذهب إلى استقرار الأوضاع وعودة الحياة الطبيعية إلى البلاد، أعلن استقالته من الرئاسة وسط ذهول السودانيين، بل العالم أجمع، من هذه المبادرة الشجاعة يقدم عليها من سجل السودانيون اسمه فى تاريخهم المذهب.
إن هذه الأمة العريقة تستحق من يرتفع بها إلى حيث تؤهلها تضحيات أهلها وكفاءات شبابها: إنها تستحق مستقبلا أفضل.
ولسوف يستمر نضال جماهير هذه الأمة حتى تحقيق ما تستحق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved