«فخ ثيوسيديدز» وحتمية المواجهة الأمريكية الصينية

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 7 مايو 2020 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

يطلق تعبير «فخ ثيوسيديدز» (Thucydides Trap) فى مجال العلاقات الدولية على حالة تهديد دولة صاعدة لهيمنة وتحكم دولة قائدة فى الساحة الدولية، ويرجع المصطلح تاريخيا لوصف حالة خوف أسبرطة من تهديد أثينا، وهدد تعاظم قوة أثينا وتوسعها التجارى هيمنة أسبرطة ولم يعد لهم إلا الحرب بديلا.
وتنعكس هذه الحالة التاريخية على ما حدث من نمو كبير فى الاقتصاد الصينى خلال العقود الأخيرة، من هنا خرجت عشرات الدراسات المبشرة بحتمية الصدام المستقبلى بين الصين والولايات المتحدة. ودفعت تطورات وباء الكورونا وتبعاتها المتسارعة إلى توتر غير مسبوق فى العلاقات بين البلدين، وهو ما يراه البعض تطورا طبيعيا فى ظل طبيعة أهدافهما المتعارضة.
ويتهم الرئيس دونالد ترامب الصين بصورة مباشرة بمسئوليتها عن مقتل أكثر من سبعين ألف أمريكى توفوا نتيجة الفيروس، وقال غاضبا «لا أفهم كيف منعت الصين الدخول والخروج من بعض المدن، وسمحوا باستمرار الانتقال عالميا من وإلى الصين»، وأكد وزير الخارجية مايك بومبيو لشبكة «فوكس» الإخبارية أنه «تقع على الحزب الشيوعى الصينى الآن مسئولية القول للعالم كيف خرجت هذه الجائحة من الصين وامتدت إلى العالم بأسره، مما تسبب فى هذا الدمار الاقتصادى العالمى».
وتطالب واشنطن بضرورة فتح تحقيق دولى محايد فى هذا الشأن، وانضم عدد من حلفاء واشنطن مثل ألمانيا وفرنسا وأستراليا وبريطانيا فى مطالبة الصين بإجراء تحقيق حول ظهور الوباء.
ودفعت الاتهامات الأمريكية الخارجية الصينية للرد على لسان المتحدث الرسمى باسمها جينج تشونج بالقول «على الولايات المتحدة أن تدرك أن عدوها هو الفيروس وليس الصين، وعليها التركيز فى مكافحة انتشاره داخل حدودها بدلا من إلقاء اللوم على الصين»، كما أكد سفير الصين لدى الأمم المتحدة أن بلاده ترفض فتح تحقيق دولى بشأن مصدر فيروس كورونا، وطالب واشنطن بوقف توجيه الاتهامات للصين.
***
يرى البروفيسور جون مارشيمر من جامعة شيكاغو، أن قوة الصين لا يمكن مقارنتها بالولايات المتحدة، ويرى أنه يمكن لجيران الصين أن يقوموا بالدور الرئيسى فى احتوائها كى لا تصبح قوة إقليمية فى شرق آسيا، ومن ثم تتمدد بعدها حول العالم، وتمتلك الصين علاقات غير مستقرة مع أغلب الدول المجاورة لها، وما زالت هناك خلافات صينية مع اليابان حول جزر سينكاكو شرق بحر الصين، يغذيها تاريخ طويل من الحروب بين الدولتين. وهناك تايوان التى تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتهدد بضمها إذا أعلنت استقلالها، وتعهدت واشنطن بدخول الحرب إذا أقدمت الصين على ضم تايوان بالقوة المسلحة، كما دفع طموح بكين للتوسع فى مياه بحر جنوب الصين خلال السنوات الأخيرة إلى صدامات بينها وبين كل من فيتنام والفلبين، وتعتمد الدولتان على الوجود العسكرى الأمريكى لردع بكين.
من ناحيتهم يرى الصينيون أن بلادهم محاصرة بهلال عسكرى أمريكى من الشرق والجنوب، إذ يوجد عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين فى كوريا الجنوبية واليابان ويقومون بزيارات عسكرية دورية لفيتنام وتايوان، كما أن لواشنطن أسطولا بحريا مجال عملياته المحيط الهادى، ويشمل عدة حاملات طائرات، وقطع بحرية أخرى.
***
لا شك أنه ومع استمرار الزيادة الضخمة فى حجم الاقتصاد الصينى وتراكم الثروة، ستتجه الصين إلى توسيع قدراتها العسكرية وستبدأ بمحاولات الهيمنة على جيرانها أولا، وستحاول الصين أن تعادل القدرة البحرية الأمريكية فى المحيط الهادى، عن طريق بناء قدرات عسكرية بحرية تقاربها، وهنا ستتعرض واشنطن لاختبار جاد يتمثل فى إمكانية قبول الصين كقوة كبرى عسكريا كواقع جديد، أو أن تبدأ باتخاذ خطوات استباقية تمنع توسعها عسكريا، حتى لو استلزم الأمر شن هجمات عسكرية لتحقيق هذا الهدف.
ينصح بعض الخبراء بدعم احتواء الصين عسكريا من خلال مضاعفة التنسيق العسكرى مع الهند الجار الغربى للصين، ومع اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، من أجل الوقوف فى وجه هيمنة بكين على القارة الآسيوية، وحال اتباع بديل الاحتواء ستنتقل الكرة لملعب الصين، وإذ يكون عليها الاختيار بالقبول بعدم انتقالها كقوة عسكرية صاعدة أو تحدى الهيمنة الأمريكية حول حدودها البحرية، ويرى بعض الخبراء العسكريين أن احتواء الصين سلميا الآن من شأنه فقط تأجيل موعد المواجهة عدة سنوات.
***
ترى الكثير من المدارس الفكرية استحالة قيام نزاع عسكرى بين الصين والولايات المتحدة اعتمادا على حجم وكثافة العلاقات التجارية والاقتصادية التى تخطت قيمتها 700 مليار دولار العام الماضى، إضافة إلى امتلاك الطرفين أسلحة نووية وصواريخ عابرة للقارات، لكن هذه المدارس تتجاهل التجارب التاريخية التى كشفت أن ضخامة العلاقات التجارية والاقتصادية بين ألمانيا وبريطانيا وبقية جيرانها قبل الحرب العالمية الثانية لم تمنع من دخول الحرب، فالاعتماد المتبادل فى الجانب التجارى والاقتصادى ليس كفيلا بضمان السلام، فالسياسة هى من يحرك الاقتصاد وليس العكس، وفيما يتعلق بالسلاح النووى، فيمكن أن تقع الحرب على نطاق بحرى فقط أو فى منطقة جغرافية محددة بما لا يستدعى اللجوء إلى الأسلحة النووية، وعرفت الحرب الكورية هذا النموذج، إذ شاركت الولايات المتحدة داعمة للجنوبيين، وتدخلت الصين مع الشماليين ولم تستخدم الأسلحة النووية رغم امتلاك الدولتين لها، كذلك كان الوضع فى المواجهات غير المباشرة بين الاتحاد السوفيتى السابق والولايات المتحدة فى عدد من بقاع العالم دون أن يتم اللجوء إلى السلاح النووى.
***
أشارت استراتيجية الأمن القومى الأمريكى الصادرة فى بداية عهد ترامب صراحة إلى أن الصين تسعى إلى تحدى قوة واشنطن ونفوذها ومصالحها، فى محاولة للإضرار بأمن ورخاء الشعب الأمريكى. وقد أدى انتشار فيروس الكورونا داخل الولايات المتحدة لتحقيق ذلك بصورة أو أخرى. وستكشف الأسابيع والأشهر القادمة إن كان فيروس كورونا سيؤدى إلى تسريع المواجهة بين الطرفين فى عام انتخابى أمريكى ساخن، أم سيجبر الفيروس الدولتين على التعاون المشترك لهزيمته.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved