صاحبة العمارة

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 7 مايو 2021 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

كانت الثروات مصدر وحى كبير للعاملين فى كتابة القصص السينمائية، وبالنظر إلى العقود المتتالية من عمر السينما سوف تتغير الرؤى بشكل ملحوظ فحتى نهاية الخمسينيات كانت الثروة التى تهبط على صاحبها فجأة تأتى من الحظ والفهلوة وعلى غير انتظار.
ثم تطورت الأمور فرأينا أن الثروات تأتى فى نهاية الثمانينيات من التهريب والعمل فى أمور غير مشروعة وضد القانون.
المرحلة الأولى التى نقصدها هنا هى أيام انتشار أوراق اليانصيب فى الشارع المصرى وهو نوع من المقامرة، يفاجأ صاحب الورقة أنه قد كسب مبلغا كبيرا ينقله من طبقة الفقراء كى يصبح ثريا.
هذه الثروة تغير تماما من أسلوب حياته ويرفض تماما الأشخاص الذين كانوا معه من قبل خاصة أسرته.
وفى بعض الأفلام كانت الثروة تأتى من ميراث غير منتظر من هذه الأفلام على سبيل المثال:
«المظاهر» إخراج كمال ياسين، و«طاقية الإخفاء» إخراج نيازى مصطفى، و«صاحبة العمارة» إخراج عبدالفتاح حسن، وفى مرحلة لاحقة «سر طاقية الإخفاء» إخراج نيازى مصطفى أيضا.
فيلم «مليون جنيه» بطولة نعيمة عاكف وإخراج حسين فوزى، وفيلم «بائعة الجرايد» إخراج حسن الإمام، بالإضافة إلى الكثير من أفلام فريد الأطرش وإسماعيل ياسين مثل «تعالى سلم» إخراج حلمى رفلة، «عفريتة هانم» إخراج بركات،
و «حسن ومرقص وكوهين» إخراج كامل التلمسانى، وفيلم «الفانوس السحرى» إخراج فطين عبدالوهاب.
فيلم اليوم هو «صاحبة العمارة» الذى ترث فيه الخادمة «تفاحة» «سامية جمال» عمارة من سبعة أدوار فى عام 1949 ينقلها إلى طبقة اجتماعية مختلفة تماما مثلما حدث مع جميع أبطال الأفلام التى ذكرناها وغيرها.
فى هذا الفيلم فإن تفاحة مرتبطة بالنجار «حسين» أو «محمد فوزى» الذى يعيش حياة بسيطة وقبل أن تعرف تفاحة سر العمارة التى كسبتها فإنها تعقد قرانها على جارها هذا وتبدو بالغة السعادة، لكن الثروة التى جاءتها تجلب معها الكثير من التغيرات الحادة، حيث يحوم حولها المتملقون والباحثون عن وسيلة لكسب المال منها، وتجد الفتاة نفسها مرغمة أن تتعلم لغات وأساليب جديدة فى الإتيكيت وتنتقل إلى مسكن أفضل وتغير من أسلوبها فى اختيار الملابس، وأصبح البيت الذى تسكن فيه غير مناسب للحياة الجديدة، مثلما حدث لرجاء عبده فى فيلم «المظاهر» وفريد الأطرش فى فيلم «تعالى سلم»، وماجدة فى فيلم «بائعة الجرائد» وفاتن حمامة فى فيلم «دايما معاك» إخراج بركات.
كل ما يحدث هنا للفتاة يأتى النجار الشاب الذى يكتشف أن التغير الذى حدث لفتاته قد جعلها تتغير فى المشاعر والمعاملة وهنا تبدأ مرحلة الجفاء، فيطلبها فى بيت الطاعة وتتحول من حبيبة إلى خصمة شديدة المراس.
الفيلم معالج بطريقة كوميدية حيث يشارك فيه على الكسار الذى صار هنا ناضجا للغاية، أما محمد فوزى فافتقد الشاب المرح الذى اعتاد أن يكونه، والاكتشاف الجديد فى هذا الفيلم هو موهبة سامية جمال فى الكوميديا فهى فى الفيلم الأسبق «عفريتة هانم» كانت ترقص وتؤدى دراما حقيقية، ولكنها لم يسمح لها بالرقص فى فيلم «صاحبة العمارة» فهى مجرد خادمة تتحول إلى بنت ذات حظوة لم تذهب إلى الملاهى الليلية ولا تعمل فى الرقص، وعليه أنها هنا البنت الشعبية العاشقة التى ليس لها أسرة سوى ابنة خالتها الفقيرة التى جسدتها «زينات صدقى».
وفى رأيى الشخصى أن سامية جمال ممثلة مضحكة بنفس درجة جودتها كفراشة راقصة، ويرجع هذا فى المقام الأول إلى المخرج «عبدالفتاح حسن» الذى لا يقل أهمية عن «بركات» لكنه رحل عن عالمنا فى سن مبكرة نسبيا. وهذا أمر بالغ الأهمية وفى تلك السنة كانت أهم راقصة فى الأربعينيات وهى «حورية محمد» قد صارت ممثلة ثانوية.
حسب قصة الفيلم فإن بيت الطاعة هو الذى ساعد «حسين النجار» على تحريض سلوك زوجته التى لم يهنأ بها لكن الزوج هنا استخدم أسلوب الغيرة عندما حاول التقرب إلى فتاة أخرى وتحول المال إلى «لا قيمة»، وفوجئ الزوج بأن «تفاحة» عادت لسلم البيت القديم مثلما حدث فى أفلام أخرى مثل «المظاهر» و«بائعة الجرائد».
كما رأينا فإن أبطال وبطلات كل هذه الأفلام من الفقراء باعتبار أن الحلم بالثراء يترك أثره لدى المحتاج والفقير، ففى العادة أن الغنى لا يتوقع الثروة الكبيرة لأنها عنده.
أما الفقراء فى هذه الأفلام فغالبا ما تكون الثروة كبيرة طارئة ومفسدة فى العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة.
وبالنسبة للمرحلة اللاحقة فإن الثروات التى جاءت عن طريق الجريمة والتهريب جعلت من الفقراء والفقيرات أصحاب حظوة مثل نادية الجندى «صاحب العمارة» «بواب العمارة» وعادل إمام فى فيلم «المولد» وأفلام أخرى كثيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved