الحرب الأهلية فى إثيوبيا غير مستبعدة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 7 مايو 2021 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

«انظر إلى ما وصلت إليه سوريا من انهيار وفوضى خلال الحرب الأهلية وأزمة اللاجئين وصعود الجماعات الإرهابية، لكن إثيوبيا بها ١١٠ ملايين نسمة، وإذا أدت التوترات الحالية إلى نشوب حرب أهلية واسعة النطاق تتجاوز منطقة التيجراى، فإن ما حدث فى سوريا، سيبدو مثل لعب الأطفال مقارنة بما سيحدث فى إثيوبيا والمنطقة بأكملها».
هذا التصريح الخطير أطلقه المبعوث الأمريكى الجديد لمنطقة القرن الأفريقى جيفرى فيلتمان بعد توليه المنصب بأيام قليلة، وأهميته أنه يصدر عن دبلوماسى أمريكى محنك جدا، حيث عمل سفيرا فى لبنان، ومساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى، ثم كبيرا لمبعوثى الخارجية للشرق الأوسط خلال مرحلة الربيع العربى، وأخيرا رئيس إدارة الشئون السياسية بالأمم المتحدة حتى 2018.
كلام فيلتمان الأسبوع الماضى فى حواره مع مجلة فورين بوليسى، ليس نبوءة خيالية، بل يستند إلى واقع حقيقى، له امتدادات فى الماضى، وربما فى المستقبل.
ففى عام ٢٠٠٢ صدر كتاب أبيض عن هيئة الأمن القومى التابعة للحكومة الإثيوبية، لم يستبعد وقتها احتمال تفكك الدولة الإثيوبية».
وبعد ١٩ عاما فإن هذا التوقع لم يعد مجرد احتمال نظرى، ولكنه صار قابلا للتحقق على أرض الواقع إذا استمرت الصراعات السياسية والعرقية والجهوية بصورتها الحالية.
المتابع للتطورات فى إثيوبيا فى الفترة الأخيرة، سوف يكتشف أن حجم الخلافات والصراعات وأعمال العنف زادت بشكل كبير، لدرجة دفعت بعض المراقبين للتحذير من سيناريوهات مرعبة.
آخر هذه التطورات وقعت يوم الجمعة الماضى «٣٠ أبريل» حينما هاجمت عناصر من جيش تحرير أورمو المعارضة والمحظورة، سكانا من قومية الأمهرا، وخلال الاشتباكات قُتل ما لا يقل عن عشرين شخصا، فى مقاطعة ليمو كوسا بإقليم أورميا غرب البلاد. تلتها اشتباكات مماثلة بين الأورمو والأمهرا أدت لمقتل ١٨ شخصا. وهناك اشتباكات عرقية أخرى فى بنى شنقول حيث يتم بناء السد قتل فيها أكثر من٢٠٠ مدنى فى الأسابيع الأخيرة.
الخلافات بين أكبر عرقيتين فى إثيوبيا أى الأورمو والأمهرا زادت خلال الفترة الأخيرة لأن الإقليمين متجاوران، وبينهما صراع طويل وممتد على الحدود والنفوذ السياسى والاقتصادى.
حتى أسابيع قليلة ماضية كنا نعتقد أن المشكلة تكمن فقط فى الصراع بين غالبية عرقيات الشعب الإثيوبى من جهة، وعرقية التيجراى من جهة أخرى، خصوصا بعد الحرب الدامية التى شنها رئيس الوزراء آبى أحمد ضد إقليم التيجراى فى ٤ نوفمبر الماضى، وأعلن بعد شهرين أنه تمكن من إخضاع الإقليم المتمرد.
لكن بدأنا ندرك أن الخلافات والصراعات تكاد تكون هى العامل المشترك الأساسى بين غالبية العرقيات، التى يشعر كل منها أنه مظلوم وحقه مهضوم مقارنة بالعرقيات الأخرى.
الدستور الإثيوبى اعتمد منذ عام ١٩٩٤ النظام الفيدرالى الذى يكفل للجماعات والقوميات، حق التصويت على إقامة أقاليم جديدة أو حتى الانفصال، ويضمن لهم حقوقا مثل فرض بعض أنواع الضرائب واختيار اللغة الرسمية وإدارة قوات أمن خاصة، وسن قوانين فى التعليم وإدارة الأراضى.
آبى أحمد يريد التخلص من هذه الحقوق، وإقامة نظام مركزى قومى، يقلص حقوق القوميات والعرقيات الفيدرالية، وهو الأمر الذى يجد معارضة كبيرة من غالبية هذه القوميات، ما عدا قومية الأمهرا، التى تعتقد أن النظام القومى الموحد سيضمن لها أن تحل محل قومية التيجراى التى ظلت مسيطرة على قيادة البلاد طوال ثلاثين سنة، رغم أنهم يشكلون ٦٪ فقط من السكان، مقارنة بالقومية الأكبر وهى الأورمو التى تشكل أكثر من ٤٠٪، ويشعرون أنهم مهمشون، وهم الذين أوصلوا آبى أحمد للسلطة عام ٢٠١٨، لكنهم انقلبوا عليه، لتحالفه مع الأمهرا، وعدم حصولهم على حقوقهم، خصوصا بعد مقتل المغنى الشهير والمعارض المهم هاشالو هونديسا من الأورومو فى ٢٩ يونية الماضى، ما أدى لاندلاع أعمال عنف أدت لمقتل ١٦٦ شخصا واعتقال ٩ آلاف، لكن الأخطر كان تكوين جبهة تحرير أوروميا، التى بدأت شن هجمات مسلحة على الأمهرا الحليف الحالى لآبى أحمد.
لكن بالطبع يظل الصراع فى تيجراى هو الأخطر، ورغم الانتصار الذى حققه آبى أحمد، بمساعدة الرئيس الإريترى أسياس أفورقى، الذى وجدها فرصة للانتقام من التيجراى، لدورهم الأساسى فى حرب ١٩٩٨ ـ ٢٠٠٠، رغم هذا الانتصار، فكل التقارير الدولية تتوقع تجدد الصراع، فى ظل جرائم الحرب التى تم ارتكابها خلال الحرب الأخيرة.
الموضوع معقد وكبير ويحتاج قراءة هادئة، لكن السؤال المهم الذى لا يمكن لمصرى أن يتجاهله هو: كيف أمكن لبلد بهذه الهشاشة أن يخدع مصر طوال السنوات العشر الماضية؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved