«الــزجــــل»


أحمد مجاهد

آخر تحديث: الأحد 7 يونيو 2009 - 8:01 م بتوقيت القاهرة

 الزجل هو أحد الفنون السبعة فى الأدب العربى، وهى فنون جديدة من النظم سماها كذلك مؤرخو الأدب.

والزجل شعر عامى لا يتقيد بقواعد اللغة، وخاصة الإعراب وصيغ المفردات، وقد نظم على أوزان البحور القديمة وأوزان أخرى منشقة منها، ويضيف صفى الدين الحلى قائلا: وهذه الفنون إعرابها لَحْن، وفصاحتها لَكْن وقوة لفظها وَهَنْ، حلال الإعراب فيها حرام، وصحة اللفظ بها سقام، يتجدد حسنها إذا زادت خلاعة، وتضعف صناعتها إذا أودعت من النحو صناعة، فهى السهل الممتنع، والأدنى المرتفع.

والزجل هو أرفع الفنون السبعة رتبة وأشرفها نسبا، وأن مخترعوه هم أهل المغرب الأندلسيون ثم تداوله الناس بعدهم.

فقد كان مسلمو الأندلس يتحدثون فى حياتهم اليومية لغة هى خليط من العربية والرومانية لهجة أهل البلاد، وقد ابتدع الزجل ليرضى النهم الفنى للمتحدثين بهذا الخليط، وديوان ابن قزمان خير دليل على هذه الظاهرة فى اللغة العربية، حيث تتناثر الكلمات الرومانية فيه بكثرة وسط الكلمات العربية.

والزَجَلُ فى اللغة هو اللعب والجلبة ورفع الصوت وبخاصة فى التطريب، ويقال سحاب زَجَلَ إذا صاحبه صوت الرعد، وفى حديث الملائكة: لهم زَجَلٌ بالتسبيح، أى صوتٌ عالٍ رفيع.

ويرى صفى الدين الحلى أن هذا الفن قد سمى زجلا، لأنه لا يلتذ به، وتفهم مقاطع أوزانه، ولزوم قوافيه، حتى يغنَّى به ويصوت، فيزول اللبس بذلك.
وقد كان ابتكار الشعر الزجلى فى الأندلس الإسلامية كما لاحظ سيد خميس نتيجة طبيعية لامتزاج الثقافة العربية الوافدة بالثقافة اللاتينية الإسبانية ثقافة أهل البلاد، حيث عرف هذا المجتمع ظاهرة الشاعر الجوال والشاعر المنشد الذى يلقى قصائده الزجلية العامية فى القصور وفى فناء الكنائس وفى السوق وفى ساحات الميادين وامتدادات الشوارع.

ومن أمثلة أزجال ابن قزمان الأندلسى أمير الزجالين قوله :
إلى متى الحب يتبعنى أفنيت عمرى على الملاح
مُرّ الهوى مُرّ مُرّ عنــى لعل نرقد ونستـــراح

حيث يدعو الشاعر العشق المر أن يمر بعيدا عنه حتى يتركه ينام ويستريح، ومن أمثلته أيضا قوله :
إذا عشقت المليــح أصبر على دَلّــو
ترضى يا مولى الملاح بذا العذاب كُلّو

حيث ينصح عاشق الجميلة بأن يصبر على دلالها، ويتحمل كل أنواع العذاب حتى ترضى عنه.

وقد بدأ توافد الأندلسيين على مصر بداية من القرنين الرابع والخامس الهجريين، حيث وفد إلى الإسكندرية تحديدا عبر البحر المتوسط الأندلسيون الذين طردهم الخليفة الأموى بعد تمردهم عليه، وأقاموا ما يشبه الجالية المستقلة، وتركوا تأثيرهم فى لغة الحديث اليومى عند أهلها حتى الآن، كالتحدث عن المتكلم المفرد بضمير الجمع.

ويرى المستشرق الإسبانى «آنجل جنزالس» أن هجرة الأندلسيين إلى مصر وبلاد المشرق أصبحت تمثل ظاهرة فى عصر المرابطين فى القرن السادس الهجرى، وبخاصة هجرة أهل العلم والأدب حاملين معهم علومهم وآدابهم وثقافتهم من الأندلس إلى المشرق. وهذا يتفق مع أغلب المصادر التى ترى أن فن الزجل أصبح يمثل نوعا فنيا أدبيا مشرقيا معترفا به من المجتمع العربى بداية من القرن السادس الهجرى، وبخاصة أن الظروف الاجتماعية كانت فى هذه الآونة مؤهلة لاستقبال مثل هذا الفن الوافد.

فقد أوضح سيد خميس أن اللغة العربية الفصحى فى القرن السادس الهجرى اكتسبت ملامح محلية فى كل قطر عربى، ووصل تطور اللهجات العربية المحلية إلى الحد الذى أصبحت فيه أداة للنظم الشعرى المعترف به، حيث يقول ابن خلدون فى نهاية مقدمته تحت عنوان «فصل فى أشعار العرب وأهل الأمصار لهذا العهد» : حتى العرب الخلص أهملوا الحرص على الإعراب فصارت لغتهم مختلفة عن لغة الإسلاف، وكذلك الحضر وأهل الأمصار (سكان المدن) نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مُضَر ( اللغة الفصحى) فى الإعراب وأكثر الأوضاع والتصاريف.

وقد قسم مبدعو الزجل أنواعه إلى أربعة أقسام وفقا للمضمون، فالنوع الأول يضم الغزل والخمر والوصف، والثانى يضم الهزل والخلاعة، والثالث يضم الهجاء والإقذاع، والرابع يضم المواعظ والحكم.

ويمكننا أن نرصد فى التطور الحديث للزجل أنه قد اتسم بصفة غالبة تصبغ موضوعاته كلها، وهى المعالجة المباشرة فى إطار النقد الاجتماعى، مع الاحتفاظ بعنصرين فقط من عناصر الشعرية وهما الوزن والقافية. ولا مراء فى أن زعيم الزجالين المصريين بلا منازع وألذعهم نقدا هو العظيم بيرم التونسى الذى يقول :

يا شرق فيك جو منوَّر
والفكر ضلام
وفيك حرارة يا خسارة
وبرود أجسام
فيك ربع ميت مليون زلمه
لكن أغنام
لا بالمسيح عرفوا مقامهم
ولا بالإسلام

وتجد الإشارة إلى أن موهبة بيرم التونسى الرفيعة، وكثرة استخدامه للصور الرائعة المبتدعة، قد ارتقت ببعض نصوصه من ساحة الزجل إلى آفاق الشعر، ويكفى أن نتذكر قوله:

شمس الأصيل دهبــت خوص النخيل يا نيل
تحفـــــــة ومتصـورة فى صفحتك يا جميل
والناى على الشط غنـــى والقـــدود بتميـــل
على هبوب الهــــــوا لما يمــــر علـيـــل

ولهذا كانت إبداعات بيرم التونسى إرهاصا حقيقيا لبداية ظهور شعر العامية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved