استقالتنا هى المشكلة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 7 يونيو 2010 - 9:31 ص بتوقيت القاهرة

 نسينا خطبة أوباما فى القاهرة لأن أفعاله نسخت أقواله، كان ذلك ردى على عدة أسئلة ألقيت علىّ فى مناسبة مرور عام على الخطبة التى ألقاها الرئيس الأمريكى فى جامعة القاهرة فى الرابع من شهر يونيو الماضى (2009).

ولم يكن ما قلته رأيا فحسب، ولكنه كان تعبيرا عن حقيقة أننى نسيت فعلا زيارته وخطبته، ولا أعرف ما إذا كان ذلك شعور آخرين غيرى أم لا، ولكن الذى أعرفه أنى احتجت إلى بعض الوقت لكى استخرج كلماته من خزائن الذاكرة.

وقد أحسن معدو برنامجين حواريين حول الموضوع أعدتهما إذاعة وتليفزيون «بى.بى.سى» العربى وشاركت فيهما، حين أعادوا على مسامع المشاركين فقرات من تلك الخطبة، التى دغدغت المشاعر ولقيت استحسانا كبيرا وقت إلقائها.

وفهمنا لاحقا أن ذلك الصدى كان مطلوبا، وأن عشرات الخبراء راجعوا فقرات الخطبة وكلماتها، لكى توصل إلى جمهور المتلقين شعور الارتياح والتفاول، لإزالة آثار الصورة الكئيبة التى خلفها عهد سلفه الرئيس بوش فى الذهن والإدراك فى العالمين العربى والإسلامى.

لا أنكر أن الرجل حقق مراده فى شهو يونيو الماضى، وأن الأغلبية فى بلادنا تفاءلت به وعلقت على زيارته آمالا كبيرة. وهو ما انتقدته آنذاك، فى مقال نشر فى 2/6/2009 قبل إتمام الزيارة كان عنوانه «أوباما المنتظر» استلهاما لفكرة المهدى المنتظر. وفى اليوم التالى مباشرة (3/6) نشر لى عمود يومى كان عنوانه «نثق فى نيته ونشك فى قدرته».

وكانت الفكرة الأساسية التى انطلقت منها فيما كتبت أن الرئيس فى الولايات المتحدة ليس هو الذى يصنع السياسة، ولكنه «الكونجرس»، وأن هذا البلد يتحكم فى سياسته العديد من المؤسسات ومراكز القوى. وهذه الجهات هى التى تضغط على الرئيس وتحدد له «سقف» حركته. وفى الوقت الراهن لا يوجد خلاف جوهرى بينها فى موضوع الصراع العربى الإسرائيلى بوجه أخص.

فانحيازها إلى جانب إسرائيل محسوم ولا شك فيه، وقد يختلف فى الدرجة ولكنه لا يختلف فى النوع. صحيح أن هناك معارضين لذلك الانحياز كما أن هناك منصفين يؤيدون الحق العربى، ولكن هؤلاء إما غير مؤثرين أو أنهم محاصرون إعلاميا وسياسيا.

إحدى المشكلات التى واجهتنا فى تقييم خطاب الرئيس أوباما أننا استقبلناه بمثل ما نستقبل به كلام رؤسائنا ــ ليس من حيث إنه «تاريخى» ومسكون بالحكمة وبعد النظر، ولكن الأهم من ذلك أنه فصل الخطاب وآخر الكلام. ولذلك ساد الاعتقاد لدى كثيرين منا بأن ما قاله سيتحول فى مقبل الأيام ــ كما يحدث عندنا ــ إلى دستور وخطة عمل للمستقبل.

وكان ذلك اعتقادا ينم عن عدم معرفة كافية بآلية وضع السياسة وصناعة القرار الأمريكى. المشكلة الأخرى التى واجهناها أننا تصرفنا وكأننا معفون من التكليف وأن الأمر كله ستقوم به الإدارة الأمريكية، التى ادعى بعض قادتنا أنها تملك 99٪ من الأوراق. من ثم فقد تصور بعضنا أن الرئيس الأمريكى باعتباره «ولى الأمر» سيقوم بكل ما يلزم فى الموضوع.

تسوغ لنا هذه الخلفية أن نعتبر أن خطاب الرئيس أوباما الذى أراده رسالة منعشة تحول بالنسبة لنا إلى حبة مخدرة، على الأقل فى الأمور التى تخصنا. لكن لم يمض وقت طويل حتى بدأنا نفيق على صوت عمليات الهدم والبناء التى اندفعت بقوة لتوسيع مشروعات الاستيطان فى الأرض المحتلة. فى حين أن السيد أوباما، قال فى خطاب القاهرة إن الاستيطان يجب أن يتوقف (وهو ما صفق له الحاضرون طويلا يومذاك).

كما أننا وجدنا أن الغارات على أفغانستان مستمرة، والفتنة الطائفية التى أيقظتها واشنطون فى العراق مازالت تؤتى أكلها. والاشتباك مع إيران لم يهدأ أواره. بالتالى فإننا فتحنا أعيننا على حقيقة أنه فيما يتعلق بنا، فإن شيئا لم يتغير فى واشنطون سوى وجه الرئيس واللغة التى يتحدث بها. أما فيما هو سياسة. فكل شىء ظل كما هو.

لسنا فى مقام لوم الرئيس أوباما، لأن المشكلة الحقيقية لا تكمن فى أنه لم يف بما وعد به، وخضع لحسابات ومعادلات بلده. ولكنها تتمثل فى أننا تصورنا أنه سيقوم بما علينا أن نقوم به. وذلك هو الدرس الكبير الذى ينبغى أن نستخلصه من خبرتنا معه ومع غيره، ممن قيل لنا إن بيدهم 99٪ من الأوراق.

وهى المقولة الفاسدة التى أعلنا بمقتضاها استقالتنا من النهوض بمسئولياتنا الوطنية والتاريخية. إن الإفاقة التى نتمناها ليست فقط فى أن نكتشف أن الرئيس أوباما خذلنا، ولكن الأهم من ذلك أن ندرك أن الحقوق تنتزع ولا توهب، وأن أصحاب الحق إذا فرطوا فيه فلا ينتظرون عونا من أحد أو احتراما من أحد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved