بركان فى الخليج

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 7 يونيو 2017 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

بركان خامد مرشح للانفجار.
هكذا بدت الاحتقانات شبه المعلنة فى الخليج قبل أن تأخذ الحمم مداها المفاجئ.
الحصار شبه الكامل على قطر من ثلاث دول جوار ــ السعودية والإمارات والبحرين ــ بالإضافة إلى مصر يضع مستقبلها المنظور بين قوسين كبيرين.
السيناريوهات ضيقة والأوراق على الطاولة.

هناك مساران إجباريان للأزمة المتفجرة على شطآن الخليج والعالم كله يرقب ويتداخل.
الأول، أن تقبل قطر ــ بالحوار ــ الاشتراطات المعروضة عليها لإنهاء الأزمة من قطع صلاتها السياسية بجماعة «الإخوان المسلمين» و«حركة حماس» إلى إعادة تكييف مجمل علاقاتها الإقليمية باسم «وحدة البيت الخليجى».
فى التقبل إذعان لحقائق الموقف وبعده تخسر كل ما استثمرت فيه سياسيا على مدى عشرين سنة.
هذا صلب الحوار الحالى الآن ــ بوساطة كويتية وعمانية، أو عبر وسطاء آخرين إقليميين ودوليين.
لا توجد مساحيق تجميل سياسية، أو ندية حوار مفترضة ــ الإذعان أو التصعيد.
والثانى، التلويح بإجراءات عقابية جديدة، لا يفصح عن طبيعتها ولا طريقة تنفيذها، لكنها تعنى والرسالة واضحة تغييرا فى بنية الحكم.
وقد أضفت تغريدات الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» جوا مثيرا يشبه أفلام «ألفريد هتشيكوك» على حركة الحوادث كأشباح فى الظلام.
وفق «ترامب» فإنها «بداية النهاية ضد فظائع الإرهاب» وتأكيد على أن قطر متورطة فى دعم وتمويل تنظيمات العنف والإرهاب على ما أخبره قادة فى الشرق الأوسط.
فى ذلك ترجيح لمسار العمل العسكرى ضد «دولة مارقة»، غير أن الطريق ليس معبدا ولا سالكا.
تلك الفرضية تعترضها تصريحات منسوبة لوزارتى الخارجية والدفاع تدعو للحوار وتهدئة الأزمة، فضلا عن أنه لا تتوافر له حتى الآن أية ظروف مساعدة بالنظر إلى مواقف قوى دولية وإقليمية مثل روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وتركيا وإيران، وكلها تدعو إلى الحوار مدخلا وحيدا لإنهاء الأزمة.

باليقين فهناك تنسيق مسبق مع الرئيس الأمريكى لكنه ربما لم يراجع مؤسساته، وهذا طبيعى من رجل بمواصفاته.
ما الذى يمكن أن يحدث فى ظل مثل هذه الأوضاع المرتبكة؟
أحد السيناريوهات المحتملة وضع الإمارة الصغيرة تحت ضغط لا يحتمل حتى تتحرك من داخل الأسرة الحاكمة عناصر تتولى السلطة.
فى هذه الأزمة تتقاطع الحسابات الدولية والإقليمية على نحو يجعل من الصعب تعريف المقصود بالحوار لإنهاء الأزمة.
بالكلام عن الحوار، كما علاقات قطر وسياساتها، الالتباسات بلا حد.
وضع «الإخوان» و«حماس» فى كفة واحدة بالاشتراطات المعروضة قضية تثير تساؤلات حول حقيقة الموقف من القضية الفلسطينية قبل أية مفاوضات مفترضة تحت عنوان «صفقة القرن».
بأى منطق سياسى فإن وصف «حماس» بالإرهاب خدمة لإسرائيل وانتقاص من شرعية المقاومة.
وبأى منطق تفاوضى يستحيل حذف «حماس»، التى تسيطر على قطاع غزة، من المعادلة الفلسطينية.
كانت «حماس» قد أعلنت قبل أسابيع وثيقة تعترف بمقتضاها بأية دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (١٩٦٧)، وتلك خطوة قد يتبعها الاعتراف بإسرائيل، كما أعلنت فض صلاتها التنظيمية بـ«الإخوان».
وقد شجعت قطر وتركيا «حماس» على إعلان تلك الوثيقة المثيرة للتساؤلات عن توقيتها وأهدافها بقصد الإمساك بورقة فلسطينية مهمة قبل بدء أى تفاوض.
مع ذلك لم تتردد إسرائيل فى إعلان أين تقف، انتهى دور قطر وجاء وقت الصفقات الكبرى.
قواعد اللعبة الآن اختلفت.

فى المساحات الرمادية تحركت قطر بين المقاومة وإسرائيل، مولت الأولى واتصلت بالثانية.
اللعب الآن على المكشوف مع اللاعبين من ذوى الأوزان الثقيلة وكل الأدوار التى لعبتها سوف تخضع لإعادة نظر وإغلاق حساب.
عندما افتتحت مكتبا إعلاميا لطالبان فى الدوحة بدا ذلك مثيرا للاستغراب، فهو علنى بلحظة مواجهات عسكرية فى أفغانستان مع القوات الأمريكية.
الآن ما كان دورا وظيفيا اسند إليها قد تحاسب عليه فى الميديا الأمريكية وداخل مؤسسات صناعة القرار بقدر ما يعفى الذين أعطوها الضوء الأخضر.
لم تكن وحدها التى تورطت فى الأزمة السورية بتسليح وتمويل «جبهة النصرة»، أطراف إقليمية أخرى لعبت الدور نفسه، لكن الإمارة الصغيرة من تسدد الفواتير.
دوران السياسة يكاد يسحقها من كثرة اللعب على المتناقضات والالتباسات.
لا يوجد عنوان واحد رئيسى للأزمة.

حتى العلاقة مع إيران ليست صلب الأزمة ولا موضوعها الرئيسى، فدول خليجية أخرى تحتذى الخط نفسه.
ما يزعج السعودية التغريد خارج السرب والتطلع إلى المزاحمة على قيادة البيت الخليجى.
هذه مسألة حاسمة فى البركان الذى انفجرت حممه على غير انتظار.
على مدى عشرين سنة حاولت قطر أن تؤسس لنفسها وضعا استراتيجيا يفوق حجمها اعتمادا على ركيزتين، إحداهما ــ الوفرة المالية الهائلة من تدفقات الغاز الطبيعى المسال.. والثانية ــ من بنية إعلامية حديثة وفرتها قناة «الجزيرة» فى سنواتها الأولى حتى باتت قناة العرب الأولى قبل أن تفقد وزنها الإعلامى الاستثنائى حين تحولت إلى نشرة إخبارية رسمية تتبنى خطابا أيديولوجيا مغلقا.
عندما هبت عواصف التغيير على العالم العربى مكنها تمركزها فى ملفات عديدة من التطلع إلى زعامة المنطقة.
بصورة أو أخرى بدأت «حقبة قطرية» وبدت كلمتها نافذة فى الجامعة العربية ولا كلمة أخرى تفوقها، غير أنها كانت قصيرة وتقوضت تماما بعد (٣٠) يونيو.
قد لا تتوافر لمصر فى بعض اللحظات مقومات القيادة، لكن لا أحد آخر بوسعه ملء الفراغ.
فى الصراع على زعامة العالم العربى تبارزت السياستان السعودية والقطرية.
كانت مصر أحد الميادين المفتوحة لذلك الصراع فى أعقاب إطاحة جماعة «الإخوان» من السلطة.
السعودية أيدت على طول الخط وقطر عارضت على طول الخط.
فى عهد العاهل السعودى الراحل الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» كان كل شىء واضحا، ووصلت الأزمة إلى حد سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة فى مارس (٢٠١٤)، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها بوساطة كويتية.
بعد رحيل الملك «عبدالله» لم تلتزم الدوحة بأى اتفاق.
تلك نصف حقيقة معلنة.
نصف الحقيقة الآخر أن السعودية أعادت النظر جذريا فى طبيعة علاقتها بالنظام الجديد فى مصر.
قللت من مساعداتها المالية، وراهنت على علاقات مختلفة مع الجماعة، وتصورت أن تحالفا مع تركيا أجدى وأنفع.
كان ذلك أحد دوافع تحسين العلاقات بين الرياض والدوحة على حساب القاهرة غير أن تلك الرهانات أخفقت فيما تصورته.
فى الظلال تمددت الصدامات الخفية بين السعودية وقطر إلى حدود اتهام الأخيرة بالتدخل فى ملف حساس يتعلق بمن يخلف الملك «سلمان».
الأجواء المسمومة دفعت إلى التصعيد.
لا التصريحات المنسوبة لأمير قطر «تميم بن حمد آل ثانى»، التى تنال من قمة الرياض، وقد جرى نفيها رسميا، ولا أى سبب معلن آخر، يفسر انفجارات البركان الخامد بهذا الحجم من التصعيد والتصادم.
ليس لسبب بعينه انفجر بركان الخليج بقدر ما هو لمجمل أعمال قطر ومنازعتها للدور السعودى فضلا عن تدخلها فى ملف الوراثة الحرج.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved