المصريون والإصلاح: مخاوف مشروعة

محمد القرماني
محمد القرماني

آخر تحديث: الخميس 7 يونيو 2018 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

شهدت السنوات الأربع الماضية وتحديدا منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئوليته العديد من الإصلاحات التى طالت مختلف القطاعات والملفات الاقتصادية والاجتماعية المهمة. ويأتى على رأسها بالطبع القرارات المتعلقة بالإصلاح المالى وإدارة النقد الأجنبى أو ما هو معروف بتحرير سعر صرف الدولار وما صاحبه من إجراءات موازية شملت تغيير أسعار الفائدة ووضع ضوابط على الاستيراد وإقرار ضريبة القيمة المضافة. شملت أيضا الإصلاحات الرفع التدريجى لدعم الطاقة وهو ما ترتب عليه ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود وبالتبعية أسعار النقل والمواصلات ومختلف السلع والخدمات. الإجراءات المالية والاقتصادية فى مجملها أدت إلى ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 30% العام الماضى واقتربت من الـ40% فيما يتعلق بأسعار السلع الغذائية، فضلا عن بعض الأزمات العارضة التى تسبب فيها ارتفاع سعر الدولار وضوابط الاستيراد ومن بينها نقص الأدوية وبعض اللقاحات والسلع الغذائية، وبشهادة القيادة السياسية فإن الوضع المترتب كان قاسيا وهو ما عكسته تصريحات السيد الرئيس فى أكثر من مناسبة عن إدراكه وتقديره لتحمل المصريين وبالأخص محدود الدخل للعبء والصعوبات التى تسببت فيها تلك الإصلاحات. لم تقتصر الإصلاحات على القطاع المالى والاقتصادى فحسب بل طالت كذلك ملفات اجتماعية مهمة مثل التأمينات والمعاشات والتأمين الصحى وآخرها تطوير منظومة التعليم وهو الموضوع الذى لا يزال حتى كتابة هذه السطور محل جدل مجتمعى واسع.
***
هذا المقال لا يخوض فى تفاصيل الإصلاحات أو جدواها ولكنه يسعى للبحث عن أسباب قلق وتخوفات قطاع كبير من المصريين إزاء التغيرات السريعة والمتلاحقة التى نشهدها فضلا عن طرح بعض الأفكار للتعامل مع تلك المخاوف.
فى البداية ينبغى التأكيد على أنه من حق المواطن أن يساوره القلق والخوف خاصة أن الإصلاحات كما سلف الذكر طالت العديد من الملفات التى تمس حياته اليومية وانعكست بصورة مباشرة على معدلات الإنفاق والاستهلاك والادخار وبالتالى أثرت بشدة على مستوى المعيشة، فضلا عن أن الإصلاح بطبيعته لا يؤتى ثماره إلا بعد فترة ليست بالقصيرة وبالتالى لم يشعر المواطن بعد بجدوى الإصلاح. الإنسان بطبيعته عدو ما يجهله ويخشى التغيير ــ وهى بالمناسبة مقولة أكدتها دراسات عديدة فى علم النفس والعلوم الاجتماعية ــ حيث إن الإنسان يعتاد على أسلوب ونمط حياة معين ويميل إلى اتخاذ قرارات روتينية بشأن الإنفاق والاستهلاك وبالتالى يحتاج لفترة طويلة للتأقلم مع الأوضاع الجديدة وهو ما يعنى شعوره بالعجز والارتباك وعدم القدرة على اتخاذ القرارات إذا ما تغيرت أوضاعه الحياتية بصورة مفاجئة. فالمواطن الذى يجد بين ليلة وضحاها أن دخله الحقيقى انخفض إلى النصف أو أكثر يواجه أزمة حقيقية فى إعادة تحديد احتياجاته وترتيب أولوياته ويجد نفسه مضطرا إلى تخفيض استهلاكه من السلع الأساسية وفى بعض الأحيان إلى استنفاد مدخراته، إن وجدت، التى كان يعول عليها للتعامل مع الاحتياجات الطارئة.
الأمر الآخر هو أنه لا يخفى على أحد أن الإصلاحات جميعها فوقية أتت من أعلى وبالتالى فإنها ليست تغيرات توافقية بل هى مفروضة على المواطن ومما لا شك فيه أنها فى هذه الحالة تكون أكثر غموضا وتفتح المجال للتشكك فى جدواها بصرف النظر عن ثقة المواطن فى القائمين على الحكم. أضف إلى ذلك أن الموضوعية تقتضى الاعتراف بأن المواطن المصرى على مدى عقود كاملة قد فقد الثقة فى النظام السياسى political system والعملية السياسية برمتها وهذا ليس تشكيكا فى مصداقية أو كفاءة النظام الحاكم political regime أو انتقاصا منه ولكنه واقع قد لا يكون النظام الحالى مسئولا عنه ولكنه مطالب بمراعاته عند التعامل مع الرأى العام.
***
لا يوجد حل سحرى للتعامل مع مخاوف المواطن التى ستظل قائمة إلى أن يشعر بالفعل بتحسن فى مستوى معيشته ولكن ينبغى التأكيد على وجوب الامتناع عن التشكيك فى النوايا فمن غير المقبول أن يتم اتهام كل من يتساءل أو يبدى قلقه بمعاداة الدولة والنظام فهذا الاتجاه لن يؤدى إلا لمزيد من القلق والتوجس من نوايا الإصلاح. والدور الأساسى فى هذا الإطار يعود إلى المسئولين بالدولة وأجهزة الإعلام الحكومية والخاصة المؤيدة للنظام الحاكم من خلال التعامل بشفافية والانفتاح على الرأى العام والشرح التفصيلى والمبسط لكافة ما تنوى الدولة القيام به من إجراءات وذلك لإعطاء المواطن فترة كافية للاستعداد والترتيب للتغيرات التى ستطرأ على حياته.
الأمر الآخر هو ضرورة توسيع قاعدة المشاركة وإدماج المواطنين فى العملية السياسية بحيث يكونون بالفعل شركاء فى عملية الإصلاح وبالتالى يقبلون بتكلفتها، ولن يتأتى ذلك إلا بإجراء إصلاحات سياسية واسعة تغير من أسلوب إدارة الدولة وتسمح للقوى السياسية والمجتمعية القليلة (الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية ومؤسسات الرأى) بلعب دور رئيسى فى تحديد الأهداف والأولويات وهو ما يؤدى إلى سياسات توافقية تحقق مصالح فئات أكثر من الشعب المصرى فضلا عن أنها تكسب قرارات النظام السياسى مزيدا من الدعم والشرعية وتعزز من التماسك الاجتماعى والاستقرار السياسى.
إن الاستقطاب الحاد والتشكيك المتبادل وإنكار حق المواطن فى المشاركة والتساؤل والمعرفة لا يخدم الصالح العام ولا مصلحة النظام السياسى القائم بل يزيد من حدة الانقسام ويفتح المجال بالفعل لمن يعادون مصر «بالصيد فى الماء العكر».

مدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون
الاقتباس
لا يوجد حل سحرى للتعامل مع مخاوف المواطن التى ستظل قائمة إلى أن يشعر بالفعل بتحسن فى مستوى معيشته ولكن ينبغى التأكيد على وجوب الامتناع عن التشكيك فى النوايا فمن غير المقبول أن يتم اتهام كل من يتساءل أو يبدى قلقه بمعاداة الدولة والنظام فهذا الاتجاه لن يؤدى إلا لمزيد من القلق والتوجس من نوايا الإصلاح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved