القاهرة التي أحب!

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 7 يونيو 2019 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

كتب الكثير جدا عن القاهرة، وسيكتب الأكثر إلى ما شاء الله.. قل عن فوضاها وزحامها ما شئت! لكنها ستظل واحدة من عواصم العالم الكبرى؛ ليس بالملايين التى تتكدس فى كل سنتيمتر مربع منها، وليس لأنها من المدن الألفية التى جاوزت الألف عام عمرا وميلادا! إنها أكثر غموضا وسحرا من هذا كله! إنها خليط مدهش ومعجز من الهبة الربانية، والنبوغ البشرى، والخطايا الإنسانية أيضا! وشاهد لا يفنى على جرائم السلطة والفساد والاستبداد، وفى الوقت ذاته، كانت كعبة المندوهين بسحر الجمال والعمارة والحجارة التى شكلتها أيادى فنانين وبناءين ومعماريين مهرة تركوا ما يشهد بعبقرية الإبداع وخلوده ما بقى بشر على سطح الأرض! أعترف بأننى منهم، وبأننى ممن يرضون عن طيب خاطر أن يقضوا الأيام والسنين فى استجلاء كل تفصيلة فيها، واستقصاء كل حكاية أو رواية وقعت، أو كان من الممكن أن تقع! ما قرأته عن القاهرة، يفوق كما كل ما قرأته عن أى موضوع أو مجال آخر بذاته!

اجتهدت عمرى فى أن أقرأ كل حرف كتب بالعربية عن «القاهرة»، تاريخ القاهرة، آثار القاهرة، مساجد ومآذن وقباب وأضرحة القاهرة، وأن أتملى كل صورة يمكن العثور عليها تسجل مشهدا أو أثرا أو تفصيلة هنا أو هناك، جمعت عبر تاريخها الألفى، بين أولياء الله وأعوان الشياطين! وكلاهما وباسمه شيدت الأضرحة والقباب والتكايا والخانقاوات والخلوات؛ قصائد شعر صورت من حجر!
إنها القاهرة التى أحب، وأبحث فيها عما وراء الأسوار لهتك الأسرار!

طوال شهر رمضان، وأنا أخصص جزءا لا بأس به، يوميا، لإنجاز بعض من حلم قديم للكتابة عن القاهرة. فمنذ سنوات طويلة تخايلنى بهجة الكتابة عن تاريخ القاهرة، وعمارة القاهرة، وحكايات وشوارع وحوارى وأزقة القاهرة؛ وبالجملة عن كنوز مصر القاهرة فى العصور الإسلامية التى ندهتنى كما تسحر النداهة الذين افتتنوا بها وسقطوا فى غوايتها إلى أبد الآبدين!

كنت صغيرا وكانت نافذتى الأولى على الدنيا هى القراءة؛ ورحم الله جمال الغيطانى الذى جذبنى بمقالاته وكتاباته عن خطط مصر الإسلامية، وعن ملامح القاهرة فى ألف عام؛ عصورها المتعاقبة، مقاهيها، مساجدها العتيقة، ومآذنها الرشيقة!

واكتشفت مع الغيطانى أن للجمال سببا وللإبداع منطقا، ولكل أثر حكاية، ولكل حارة شيخ، ولكل زاوية وضريح ولى حقيقى أو أسطورى! ووجدتنى مدفوعا بشغف وفضول لا نهائى أتابع ما يكتبه الغيطانى حرفا حرفا عن هذا الافتتان المولع بسيرة البشر والحجر؛ عرفت أن «المكان حكاية»، وأن وراء كل حجر بشر عاشوا «هنا»، وكانت لهم سيرتهم وقصصهم وتواريخهم ومآسيهم الكبرى، أدركت أن الغاية هى البحث عن القصة أو إمكان وجود قصة!

كان البحث مضنيا وشاقا لكنه كان ممتعا أيضا؛ وخلال ما يزيد على ثلاثين سنة تجمع لدى فى مكتبتى قسم خاص وضخم يضم تقريبا كل ما كتب عن القاهرة، مؤلفا أو مترجما، منها ما يلازمنى ولا يفارقنى أبدا؛ مثل كتب المستشرق الإنجليزى الشهير ستانلى لين بول «سيرة القاهرة»، و«القاهرة منتصف القرن التاسع»؛ ومثل كتب المؤرخ الكبير أيمن فؤاد سيد؛ وخاصة كتابه الأوفى عن «القاهرة خططها وتطورها العمرانى»، الذى صدر عن هيئة الكتاب قبل نحو أربع أو خمس سنوات فى ثلاثة أجزاء.

ومنها أيضا الكتب القيمة التى صدرت عن الهيئة ذاتها ضمن سلسلة (القاهرة) التى أسسها المرحوم جمال الغيطانى وتوقفت عن الصدور للأسف عقب وفاته؛ من أبرز العناوين التى عالجت جانبا أو أكثر من تاريخ القاهرة كتاب المستشرق أولج فولكف «القاهرة مدينة ألف ليلة وليلة (969 ــ 1969)، وكتاب «القاهرة مدينة الفن والتجارة» للمستشرق الفرنسى المعروف جاستون فاييت، و«وجه مدينة القاهرة من ولاية محمد على حتى نهاية حكم إسماعيل» للدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، وغيرها من الكتب المهمة جدا.

وكل الكتب السابقة، وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره، غاية فى الأهمية والروعة والقيمة، بل هى فعلا من أهم ما كتب عن تاريخ القاهرة المحروسة، لكن ثمة كتابا آخر ينفرد من بينها جميعا بأهمية خاصة؛ بقيمته ومحتواه الرائع وصوره النادرة، هو كتاب (التطور العمرانى لشوارع القاهرة) لفتحى حافظ الحديدى الذى يستحق حديثا منفردا الأسبوع المقبل إن شاء الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved